الثورة العربية الكبرى / د . خالد غرايبة

الثورة العربية الكبرى
في خلال الحرب العالمية الاولى، او ما يسمى عند الفلاحين ب(السفربرلك)، قام الاتراك بعملية تجنيد اجباري في مختلف المدن والقرى الشامية. وكان نصيب قريتنا عدد من الشبان الذين تم تجنيدهم من بينهم اعمام ابي الاثنين – اكبر اخوانهم، حيث تم ارسالهم الى الجبهة مع روسيا. لقد كان ذلك كارثة على العائلة لأن معناه كان ارسال الشباب للموت في سبيل لاشيء. فالدولة التركية آنذاك لم تترك مجالا لجماهير شعبها من العرب لينتموا اليها ويبذلوا في سبيلها دماءهم بسبب قيامها على الجباية واستعمال العنف مع السكان فضلا عن سياستها في تجهيل العامة مما لم يدع مجالا للناس ليصلوا الى الوعي بمفهوم الدولة وقيمة الانتماء للوطن.

بعد عدة سنوات ومع انتهاء الحرب عاد احدهما مصابا بمرض اصيب به جراء الجوع والبرد لم يمهله طويلاً بينما استشهد الثاني في احدى جبهات القتال. وكان على الاب العجوز وابنائه الاخرين ان يهتمو بتربية ابناء الاخوة المتوفين وربما ان يتزوجوا زوجاتهم حتى لا تضيع اسرهم ويتشرد الابناء.

لا شك ان ذلك حدث في معظم القرى الاردنية انذاك ولا شك أيضا ان ذلك كان مفصلا في تطور الوعي الشعبي عند الكثير من العرب خصوصا الشوام منهم والذين كانوا تحت الحكم التركي المباشر. لقد انطلقت رصاصة الوعي بمفهوم امة العرب ربما قبل انطلاق رصاصة بندقية الحسين بن علي مع موت ابناء الفلاحين في جبهات القتال التركية.

استطيع ان اتخيل كمية الايمان والحماس لدى النخبة العربية في بلاد الشام في ذلك الوقت. تخيلو معي كيف يمكن ان يكون شعور مواطن عربي في دمشق او في القدس او في اربد عندما تطرح فكرة دولة عربية واحدة يحكمها العرب انفسهم بعد قرون من الظلم والتهميش تحت حكم الترك. لا شك ان تلك الفكرة يمكن لها ان تثير الحماس لدى اي عربي لدرجة ان يموت من اجلها.

مقالات ذات صلة

لقد ولدت الفكرة ونفذت ووصل العرب الى حلمهم مع قيام مملكة العرب في دمشق على يد فيصل وبدأ مع ذلك التحول الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة العربية حيث بدأت الشخصية العربية بالظهور امام العالم بعد قرون من التهميش والطمس.

وبرغم ما حدث بعد ذلك، الا انه لا يمكن لعاقل ان ينكر ان ثورة العرب كانت مفصلا تاريخيا لانها اعادت مفهوم الامة الى وعي الانسان العربي وحولته من مواطن من الدرجة الثانية الى مواطن من الدرجة الاولى لديه اعتزاز بشيء ولديه سبب ليموت من اجله.

لقد مات اعمام ابي الاثنين وهما على يقين ان الدولة التركية لا تستحق الموت من اجلها (لظلمها) من اجل ان نعرف الان، و بعد مئة عام، أن الانتماء للوطن و الموت من اجله ليس له معنى عند المظلومين وعند المهمشين وعند من تعاملهم الدولة كمواطنين من الدرجة الثانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى