وترجّل الفارس أبو القوانين الدستورية

وترجّل #الفارس أبو #القوانين_الدستورية
موسى العدوان
في فجر يوم الثلاثاء 1/ 2 / 2022 فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها، صاحب القامة الوطنية الفقيه الدستوري والوزير الأسبق الأستاذ #الدكتور_محمد_الحموري، بعد حياة حافلة بالمعاناة الشخصية، والجهاد في #القضايا_القانونية المتعلقة ببنية الدولة الأردنية، ما استطاع لذلك سبيلا.
لقد تشرفت بمعرفة الدكتور محمد منذ أيام الشباب الأولى، عندما تزاملنا في فصيل واحد، كتلاميذ في الكلية الحربية الأردنية، في أواخر عقد الخمسينات من القرن الماضي. وبعد أن تخرجنا من الكلية بعد عناء سنتين كاملتين، حمل كل واحد منا رتبة ملازم ثاني ( نجمة ) كنا نعتقد في حينه أننا بهذه النجمة، قد بدأنا طريق النجاح في حياتنا العملية، ونسير بين الناس في إجازاتنا بافتخار يحسدنا الكثيرون عليه. ثم ذهب كل منا في طريقه، هو نقل إلى سلاح المشاة، وأنا نقلت إلى سلاح الدروع، ولكن استمرت العلاقة الودية بيننا حتى النهاية.
وبعد بضع سنوات جرى ترفيعنا إلى رتبة ملازم أول ( نجمتين )، شاء القدر أن يُتهم صديقي محمد الحموري باشتراكه في مؤامرة انقلاب على النظام. فسُجن وعُذب وهو برئ من تلك التهمة المنسوبة إليه لا سيما وأنه ضابط صغير في السن والرتبة. وبعد أن قضى بعض الوقت في السجن في ظروف صعبة رُمج وأطلق سراحه. وإزاء هذا الظلم، قرر محمد دراسة الحقوق تأثرا بما جرى له، ليكون نصيرا للمظلومين الذين يواجهون الاعتقال والسجون بتهم باطلة.
فنفّذ ما صمم عليه بأن درس الحقوق في جامعة القاهرة، وحصل على شهادة البكالوريوس والماجستير، ثم واصل تعليمه ليحصل على شهادة الدكتوراه من جامعة كيمبرج البريطانية، ويصبح مرجعا ومحاضرا قانونيا محليا ودوليا. وهذا ما ترجم عمليا المثل القائل : رُبّ ضارة نافعة.
وفي حياته العملية فقد عمل مدرسا في الجامعة الأردنية وساهم في إنشاء أول كلية حقوق في الأردن، ثم عين وزيرا للثقافة ووزيرا للتعليم العالي في الحكومات الأردنية. ولكن بعد أن وقع الأردن اتفاقية وادي عربة في عام 1994، قدم استقالته من الحكومة، مضحيا بمنصبه الوزاري احتجاجا على تلك الاتفاقية مع العدو الإسرائيلي.
لقد عرف الدكتور محمد بحسن الخلق والمعشر الطيب، وقول كلمة الحق، كما عُرف بنزاهته ووطنيته الصادقة وسيرته النظيفة. ألّف العديد من الكتب والأبحاث والدراسات في المجالات القانونية والسياسية ومجالات التقاضي، والتي تعتبر مرجعا غنيا لطلاب الحقوق وغيرهم من الأجيال اللاحقة. ثم أسس حزب الشراكة والإنقاذ بشخصياته الوازنة، والذي يعتبر من خيرة الأحزاب الوطنية الأردنية.
لقد عاني الدكتور محمد في السنة الأخيرة – مع الأسف – من سوء حالته الصحية، ورغم ذلك فقد كان متابعا لما يشرعن من القوانين التي لم يتفق معها. فقبل أيام من وفاته زاره عدد من أصدقائه وهو في المستشفى، وعندما سألوه عن رأيه في التعديلات الدستورية والقوانين الأخرى التي أقرت مؤخرا، قال لهم في آخر كلماته غاضبا : ” لو أن صحتي تساعدني على الخروج من المستشفى، لحملة بطانياتي ونمت في ساحة الدوار الرابع احتجاجا على تلك القوانين، تاركا المجال لمن يشاركني الرأي بالانضمام إليّ، حتى يتم التراجع عن تلك التعديلات المسيئة للوطن “.
رحم الله الفقيه الدستوري الدكتور محمد الحموري، وأسكنه جنات الفردوس الأعلى، إكراما لهذه القامة الوطنية الأصيلة، التي قدمت للأردن وللأمة العربية، إرثا قانونيا عظيما، كان مقرونا بالعمل الجاد والمخلص. وعسى الله أن يعوض على الأردن من يملأ الفراغ القانوني، الذي خلّفه وراءه هذا الرجل، الذي يعتبر أبا القانون الدستوري، الذي سيفيد الأجيال الحالية واللاحقة.
وفي الختام لا يسعني إلا تقديم العزاء ليس لأهله وأقاربه فحسب، بل لي ولحزب الشركة والإنقاذ، وللأردنيين كافة، وعظّم الله أجركم جميعا.

التاريخ : 3 / 2 / 2022

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى