باريدوليا

#باريدوليا

#مصعب_البدور
عاش جميع أبناء مجتمعنا، الباريدوليا في طفولتهم، فكم من شخص قال لك أنه رأى الراحل الملك حسين بن طلال على القمر، ولو سألتك: كم مرة انتهزت فرصة انتصاف الشهر العربي لتبحث عن صورة الرئيس الراحل صدام حسين على القمر في ليالي الصيف؟
لو جربنا استقراء الإجابات الصادقة، فسأستقبل الجواب ” نعم فعلت” من كل زاوية وركن، لكنني لن أتحدث عن الباريدوليا التي تعرفونها، تلك #الظاهرة_النفسية التي تجعل الناس يرون صورا على القمر أو يسمعون أصواتا غير مدركة، إنما حديثنا اليوم يعرض أنواعا متعددة من باريدوليا الشارع العربي.
وللباريدوليا صورا متعددة في حياة المواطن العربي، ولها أنواع ويمكن لكل واحد منا أن يتعامل مع حالة من حالاتها في كلّ وقت وفي كلّ مكان، وفي جولة مع أنواع الباريدوليا العربية أحب أن أعرفكم إلى
ما صدفته وما تعرفت إليه من باريدوليا في حياتنا العربية:
باريدوليا #سياسية:
كثيرا ما رأينا صورة الأوطان مزدهرة، فمنجزات الوزراء والرؤساء لا تعد ولا تحصى، فكل وزير قعد على الكرسي له سجل حافل من الإنتاجات والإنجازات، ولكل رئيس إبداعات وابتكارات، فهذه صورة مشرقة للوطن، وانتعاش اقتصادي وازدهار العمران المكلل بالإبداع، والتقدم والتحضر والرقي، كلها صور وهميّة للوطن يراها المسؤول، وإذا نظرت إلى الوطن بعين الواقع ستقع عينك على فقير يهرب من أصحاب الدكاكين والمحالّ لأنه غارق بدينه، وسترى رجلا أو امرأة تبحث في حاوية القمامة عن لقمة تقتاتها، وسترى شاب متجهم يبحث عن عمل-بالمناسبة لو رفعت حجرا من الأرض ستجد تحته شاب متعطل عن العمل- ولو حاورت الناس لعرفت أن أفضل إنجاز للناس في بلداننا العربية هو البقاء على قيد الحياة.
باريدوليا الخدمات:
تكثر هذه الظاهرة في كل حملة انتخابية للبلديات فيبدأ المرشحون بسرد مجموعة من الصور التي يتخيلونها على وجه الواقع مثل فتح طرق، تعبيدها، وصيانة المنشآت، ومجارير الصرف الصحيّ، ونظافة الطرق والأحياء السكنيّة، وتنظيم الأراضي… وغيرها من الصور المتوهمة، فتتحمس لهم ولإنجازات تتبخر فور خروجك من بيتك؛ فعليك أن تتوخى الحذر خشية الغرق في مياه المجارير، أو أن تسقط في إحدى الحفر التي تملأ الطريق، أو أن تعلق بمحصلي البلديات من أجل دفع ضريبة المُسقّفات دون مردود يُرتجى أو خدمة تُرتَقب.
باريدوليا المشاريع:
ومن أشهر أنواع الباريدوليا ما تراه من مناقشات بين الحكومة والنواب في طرح مشاريع الميزانية، ومشاريع التطوير، فتناقش وتقدم لها الخطط، ويستبشر المشاهدين بمستقبل قريب يغيّر الحال، وعندما تتابع الواقع تجد أن المخطط بقي مخططا وأن صورة المشاريع مجرد صورة وهمية نراها على قمر العرب سات أو أي قمر صناعي آخر- أنت والقمر إلّي بتختاره.
باريدوليا التخدير:
وهذه صور عجيبة يراها المسؤول في المواطن المسكين، فهو يرى الفقر زهد، والجوع تضحيّة، وقبول الظلم رحمة وتسامح، وتستعمل هذه الصورة الباريدوليّة من أجل تخدير شعور الناس ولتسويغ أحوالهم بدلا من إيجاد حلّ لهذه الحالة المحزنة التي تعاني شعوبنا منها.
باريدوليا التسحيج:
من أخطر أنواع الباريدوليا هي تلك الموجودة عند المسحجين والمطبّلين، إذ يستطيع أن يرى في الفقر إنجاز، وفي انعدام البنية التحتية ابتكار، وفي المديونيّة إبداع، وفي البطالة ثراء، ويتهم الشعوب بقلة الفهم والغوغائيّة في قضايا أوضح من أن يغطيها شيء أو أن يحجبها حاجب، والذي يرى صورة الأمن في السكوت عن الفساد الذي صار علنا، وهنا تكمن خطورة هذا النوع من الباريدوليا لأنه مما لا شك فيه يعدّ نوعا مرضيّا أعراضه ونتائجه أكثر ضررا من غيره من الأنواع.
في النهاية تبقى الباريدوليا في حقيقتها مجرد وهم نفسيّ لا بد من تجاوزه لنصل إلى برّ آمن في أوطاننا، ولست أدري إن صادفتم نوعا آخر لم أصادفه من الباريدوليا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى