اْلمُلْقِي طَلَبَ والنُّوّابُ أعْطُوا….د.منتصر الزعبي

ما مِنْ مَشْهَدٍ يتَّسمُ بهذا القدْرِ الهائلِ من العجائبِ ، والغرائبِ ، كالمشهدِ الأردنِيِّ ، وما مِنْ بلدٍ شاعَ فيه البصِّيمة كالأردنِّ ، وما مِن بلدٍ فيه : “الكَذِبُ مِلْح الرِجالِ وَعيبْ على اللي يصدق مثل الأردنّ “. ما مِنْ شيءٍ غريبٍ في الأردنَّ ،وما مِنْ شيءٍ لا يمكنُ فِعْله في الأردنِّ ،في الأردنِّ يقولُ النوابُ والساسةُ عكسَ ما يفعلون ،ويفعلونَ عكسَ ما يقولون ،ويُخطئُ مَنْ يتصورُ أنَّ الناسَ يصدِّقون . في الأردنّ تحوّل مجلسُ النوّابِ إلى حسينية للّطميات ،ومَسرحاً مفتوحاً لِممَارسةِ كلِّ فنٍ مِن دونِ حسابٍ . الأردنُّ البلدُ الوحيد في العالمِ ،الذي يحاول فيه النوابُ الضحكَ على ذقونِ الشّعبِ ، ليسَ لتأكيدِ هذهِ البديهياتِ المعروفةِ مِن قِبَلِ الناسِ ،وإنّما لأنّ مثل هذا الفعلِ يتمُّ للتسويقِ الإعلانِيِّ المقبوحِ . لَكَمْ تبدو تمثليةٌ ساخرةٌ تلك التي جرتْ أحداثُها ،وسط أجواء نيابية دافئة ،تمت في مضارب الشعب الأردني – البرلمان – بمنطقة العبدلي ،عندما طلب رئيس الحكومة هاني الملقي ،يد صاحبة الصون والعفاف “ثقة” لتثور ثائرتهم، فراحوا يرغون ويزبدون، وراحوا يتهددون ويتوعدون ويلوحون بالويل والثبور وعظائم الأمور كما يقولون، وراحوا يفتشون وينبشون، ويهرفون بما لا يعرفون، ويتوهمون، ويخمّسون، ويسدّسون، ويتهمون، وراحوا يؤلفون ما يؤلفون، ويدونون ما يدونون، من كل ما “تجود” به قرائحهم، وما توحي به أمزجتهم وأخيلتهم وأهواؤهم، وراحوا يسددون اللكمات، ويوجهون الضربات، ويشددون القبضات، ويكيلون الشتائم، ويطلقون التهديدات ،ويمارسون كل أشكال البهلوانيات وألوانها في محاولات يائسة لذر الرماد في العيون ،وإذا بهم في نهايةِ الحفلِ يمنحونَ الحكومةَ صكوكَ الغفرانِ ويعطونها الثقة بالأغلبيةِ النيابِيّةِ ، وهذا ما سيكرره النواب من لطميّات عند مناقشة الموزانة مرة أخرى ،وصدقَ اللهُ العظيمُ إذْ يقول:) مَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ) الأعراف/102 وفي الختام ،كّمْ بدا احتفالُ البرلمانِ مُضحكاُ ،عندما تهافت النواب على رئيس الوزراء ،يقدمون له آيات الولاء والطاعة !! حقًا إنّنا أمامَ نموذجٍ يندى له جبينُ الكريمِ , ويضيقُ به صدرُ الحليمِ . إنّها الثنائية – الفِصامُ – الشيزوفرينيا Schizophrenia – في السلوكِ وفي الفكرِ ،تجدُ الواحدَ منهم في داخلهِ نائبٌ كاملٌ ،مؤمنٌ بحقوقِ الشعبِ وتوابعِ ذلك كلِّهِ ،ولربما نافحَ وجادلَ عن هذهِ الحقائقِ أكثرَ ممّا ينافحُ ويجادلُ عنها أي مواطنٍ ،وهو الإنسانُ الذي إذا ناقشْتَه فيما يقعُ عليهِ من مسؤولياتٍ وتبعاتٍ اتجاه الشعبِ تجده ذا لسانٍ زَلقٍ وفكرِ مستنيرٍ ،حتى إذا نظرتَ إلى واقِعِه السلوكِيِّ وجدْتَه شاردًا إلا فيما ندرَ عن صراطِ الشعبِ ،ووجدته في تعاطيهِ مع الحكومةِ يجنحُ إلى مصالحهِ الشخصيّةِ ،وإن اقتضى ذلكَ أنْ يحلف أغلظ الأيمان على طهر وعفاف الحكومة ،وأن يعطي الثقة لعيون فلان وعلنتان ،ويجعل المجلس بازارا للملوخية الناشفة . إنّ الاستعراضاتِ البائِسةِ التي شغلنا وسيشغلنا بها البرلمان ،ومنذُ ولادتِه المُشوَّهَةِ ،لا توفر الحمايةِ للشعبِ بعدَ انحيازِه التامّ للحكومةِ.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى