وقت الغروب

وقت الغروب
محمد طمليه

جاء في قصة للكاتب الروسي »دوستويفسكي« ان رجلاً وحيداً/ بلا عائلة او اصدقاء/ اعتاد ان يخرج من غرفته في المساء ليتمشى وصولا الى نهر صغير دأب المخذولون والمحبطون على ارتياده وقت الغروب: يبدو أن الامعان في الانزواء يخفف من سلاطة الاحساس بالوحدة – الرجل مقتنع بذلك, وأنا ايضا, وهناك آخرون من كلا الجنسين يذهبون الى هناك لتعزيز الاختناق والوحشة في ارواحهم, وهذا بالضبط ما كانت تفعله المرأة التي قابلها بطل القصة على ضفة النهر.
الاشخاص الوحيدون مرهفون في المجمل..
وكان هذا الرجل/ ولنفترض ان اسمه »محمد طمليه«/ ينطلق الى الموقع مشيا على الاقدام, وعبر شارع واحد صار مألوفاً بالنسبة له, حتى أنه اطلق اسماء معينة على المباني التي تقع في ذلك الشارع: هذا مبني من طابقين وقرميد أحمر/ اسمه »سوزان«. وهذا مستشفى ولادة/ اسمه »عباس«. وهذا مركز امني/ اسمه »خليل«. وهذا قصر/ اسمه »عبدالمعطي« – مع ملاحظة ان المالك لم يكتب عبارة »هذا من فضل ربي« على الواجهة.
وكان الرجل الوحيد يتأذى اذا لاحظ ان احد هذه المعالم قد تعرض لتعديل: صيانة وما شابه, ويتألم تبعا لذلك, ولكنه يواصل المشي/ حزيناً/ الى ان يتنفس الصعداء قرب النهر.
الخلاصة انه قابل ذات يوم/ على ضفة النهر/ امرأة وحيدة أيضاً. تعارفا, وقالت له منذ البداية انها تنتظر حبيباً سوف يأتي ذات يوم, وانها تقبل صداقة الرجل الوحيد شريطة ان تنتهي هذه الصداقة فور مجيء الحبيب: اتفقا على ذلك.
واظبا على اللقيا الى ان جاء الحبيب المنتظر في نهاية المطاف, وذهبت المرأة معه كما هو متفق عليه, فيما ظل صاحبنا وحيدا: هل اغتاظ? جدا, ثم عاد الى غرفته حزينا – عبر الشارع الذي لم يعد مألوفا: صار غريبا دفعة واحدة – »شارع الغاردنز« لم يعد كذلك, والقرميد الذي تحمله »سوزان« على ظهرها صار اسفلتا, وهنالك منافقون يعبرون »شارع مكة«, و»مكدونالدز« في شارع »الاستقلال«, ومرضى يتسكعون في »شارع المدينة الطبية«, وغرباء عبروا »شارع الاردن«..
عاد الرجل الوحيد الى غرفته/ الزنزانة/ وأجهش في البكاء..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى