الوطن ليس للبيع أو المبادلة / د. هاشم غرايبه

الوطن ليس للبيع أو المبادلة

أثيرت مؤخرا ضجة مبالغ بها في الإعلام الحكومي الأردني، حول قرار تخفيض أسعار أدوية معينة، ونسب القرار الى توجيهات ملكية أمرت بتنفيذ ذلك الإجراء سريعا.
العالمون بحقائق الأمور يعلمون أن ذلك كان حملة علاقات عامة لتمرير رفع أسعار المشتقات النفطية وتثبيت مبلغ ثابت من الضريبة لا يقل عن 100% من الكلفة الكلية، ولا ينقص بانخفاض الأسعار، لكنه يرتفع إن ارتفعت.
قبل شهر نشأ فجأة توجيه للأنظار نحو قضية يعاني منها المواطن منذ زمن بعيد، وهي ارتفاع اسعار بعض الأدوية في السوق الأردني بصورة مبالغ بها إن قورنت بأسواق مثل السعودية ومصر وتركيا.
لا يعلم أحد من هي الجهة التي كانت وراء تركيزالأنظار حول هذه القضية، وهل هي عفوية أم مدروسة، لكن المؤكد أن الدولة العميقة سارعت الى اغتنام الفرصة، والإيحاء بأن الحكومة (وتحديدا وزارة الصحة ومؤسسة الغذاء والدواء) مقصرة في شأن الحد من جشع مستوردي الأدوية، لذلك جاء التوجيه الملكي لتحميلها مسؤولية التقاعس، وفي الوقت نفسه امتصاص النقمة الشعبية المتوقعة من رفع أسعار المحروقات الذي كان مقررا في أواخر رمضان، لكن كان هنالك تخوف من أن يؤدي الى رفع وتيرة التذمر الواسعة جراء انهاك المواطنين بسيل متزايد من الضرائب والرسوم لتفاقم ركود الأسواق وتراجع كل النشاطات الإقتصادية، فجرى تأجيل ذلك الى ما بعد العيد.
القرار الأصعب الذي كان من الصعب على الدولة العميقة تمريره هو فرض ضريبة مقطوعة على المشتقات النفطية تعادل حوالي 100% من كلفته، الأمر الذي يؤكد حقيقة أن الدولة باتت عالة على كاهل المواطن المسكين، الذي يتحمل كل كلف الفساد والفشل المتراكم للسياسات الإقتصادية.
ليس دفاعا عن الجهات المعنية عن تسعير الدواء (وزارة الصحة ومؤسسة الغذاء والدواء)، فهي برضوخها لما يملى عليها وتقبلها لأن تكون (ممسحة زفرة) تعلق عليها أخطاء الكبار، لا تستحق تعاطف المواطن المقهور معها، لكن فقط لأجل الحقيقة، يجب أن نعلم أن عملية تسعير الأدوية تتم وفق معادلات محددة، وليست خاضعة لهوى المُصنِّع المحلي أو المستورِد.
والمعادلة هذه تأخذ بعين الإعتبار سعر الدواء في بلد المنشأ، ومعدل أسعاره في 12 بلدا أوروبيا وعربيا منها تركيا ومصر والسعودية، ثم يطلب من الوكيل المحلي تقديم ثلاثة أسعار يؤخذ بأقلها، ثم يضاف عليها ضريبة حكومية تتراوح بين 4 – 16 %، وفوقها 20 – 26 % للصيدلية التي تتحمل كلف الإيجارات ورواتب الموظفين وضرائب الكهرباء والدخل والمحروقات ..الخ.
إذاً لماذا يكون سعر الصنف ذاته في الأردن أغلى من كل دول الجوار؟…هناك عدة أسباب أهمها:
1 – حجم السوق السعودي أو المصري أضعاف السوق الأردني، لذلك يكون سعر بيع المنتج للوكيل المحلي أقل، بسبب سياسة الـ (bonus)، التي تعني سعرا أقل مقابل كمية أكبر، ورغم أن فساد (العمولات) هنالك لا يقل عن الفساد الأردني، إلا أنه لا ينعكس على سعر البيع للمواطن لأن عمولات الحيتان هناك تقتطع مسبقا، أما عندنا في الأردن الذي حجم مبيعاته محدود، فكل (هبشة) لا بد أن تظهر في ارتفاع واضح في السعر.
2 – السوق التركي مختلف حيث أن الرقابة الحكومية حثيثة، وبسبب نظافة يد قيادتهم لا يمكن للفساد أن يعشش في المؤسسات، كما أن حسن الإدارة انعكس على تحسن الإقتصاد، فأمكن للدولة أن تدعم أسعار الدواء بنسب تصل الى 60 %.
3 – إن وضوح السياسة التسعيرية في الأردن لا يعني ان العملية نزيهة، فنقطة الضعف تأتي من الإحتكار أولا، فقد يتمتع دواء معين بحماية احتكارية، بسبب عدم تسجيل المؤسسة لدواء بديل، أو امتناعها عن تسجيل دواء معتمد في الهند مثلا سعره أقل من ربع الدواء المثيل الأوروبي المنشأ، بذرائع مختلفة كأن يقال أنه محدود بالسوق الهندي المحلي، أو بحجة أنه مزور أو غير موثوق ..الخ.، لكن السبب الحقيقي هو أن الوكيل مدعوم من فوق(واصل).
هكذا نستنتج أن علاقة الدولة مع المواطن في كل الأنظمة الشمولية، والتي هي سمة كل أنظمة سايكس – بيكو، ليست مثل دول باقي خلق الله الأخرى التي تعتبر المواطنين هم مالكي الوطن، بل علاقة زبونية، فالوطن متجر لها، والمواطنون هم الزبائن، لذا تعتمد على الحملات الإعلامية لتسويق القرارات، والتي هي مصلحة تجارية محضة خالصة لها، بمعنى البحث عن أفضل الطرق للوصول الى جيب المواطن..والمسارعة للإستيلاء على ما فيه كثر أم قل، قبل أن يصرفه على نفسه وأولاده.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى