مشد حراري / محمد العيسى

مشد حراري
هنالك أشخاص يحظون بعدة أسماء وعدة صفات وبالعادة تكون الألقاب أكبر وأكثر من الأسماء ، فمثلا الشخص السمين يمتلك الكثير من الألقاب وأذكر البعض العامي منها مثل “بطابوف ، المبغبج ، كرَوش ، بغل ، بطيني ، بنص” ولا أعتقد أنني قد ذكرت جميع الصفات إلا أن الألقاب المذكوره اعلاه كفيلة بأن تخلق لهذا السمين حالة نفسية سيئة تنعكس عليه وعلى من حوله.
لا زلت أذكر صديقي السمين جدا الذي حاز على أكبر عدد من الصفات الدسمة كيف كان يتعامل مع هذه الألقاب كان يشعر دائما بأن الجميع يتهامس عليه والجميع يتداولون نفس الألقاب في سوق النميمة والاستغابة ، كان دائم الحزن على نفسه ولكن للأسف لم تكن ردة فعله إيجابية على الإطلاق بل كان كلما أحس بأن أحدا ما يذكر سمنته يذهب مسرعا إلى أقرب وسيلة طعام ويبدأ بالأكل حتى آخر لقمة ومن ثم يقول ” انا هيك الي عاجبه عاجبه والي مش عاجبه بلااااش”.
ظل هكذا دون أن يستمع لأي نصيحة مني حول كيفية تقليل هذه السمنة تفاديا لكلام الناس وتفاديا للامراض وتفاديا للخجل ،نصحته بالرياضة و نصحته كثيرا بتقليل مصروفه وحتى انني نصحت والده بذلك الا انه لم يستجب وقال لي وقتها ” خليييه يووكل عشو الواحد يحرم حالو ، الكل بوكل ” ، فكرت بكلامه فلم اجده مقنعا على الاطلاق إلا ان صديقي السمين لم يستجب لأي مساعدة حتى اضطررت الى عدم التدخل به رافعا شعار ” فخار يكسر بعضه ، دق المي وهي مي ” .
وفي يوم من الأيام أعجب صديقي السمين بفتاة وأحبها وأخبرني بذلك وكان فرحا جدا وقال لي بأنه سيذهب لإخبارها بذلك ، فقلت له ” هسا حلو انك حبيت وحدة بس قولتك هي حترضى فيك وانت مبغل هيك!!” فأجابني بأن الحب أسمى من هذه الامور وانها بكل تأكيد لن ترفضه ، فتذكرت شعار “الفخار” وقلت له اذهب وحاول ، ذهب صديقي الدسم وعاد في اليوم التالي وعينيه قد ملئهما الدمع وقال لي بأنها لم تقبل به ولن تقبل به وهو بهذه السمنة فأخبرها بأنه على استعداد بأن يعود الى الوزن المناسب لطوله لأجلها فقالت له إن استطعت فعل ذلك سأقبل بك.
“قززني” لم يتركني وهو يسأل ماذا سأفعل كيف سأتخلص من هذه السمنة لا أريد أن أخسر هذه الفتاة وكيف وكيف ، فقلت له ” هسا جاي تتشاطر وين كنت زمان ولا لما حسيت حالك حتخسر الإشي الى رفع روحك وقلب حياتك صرت بدك تنحف ، صدقني مش رح تنحف ولفيت وجهي وتركته ، راحت الايام واجت الايام وشفته بعدها قلتله شو يا شايفك مش نحفان ولا شكلك بطلت عن هذيك البنت ، قالي مش زابطة انحف بالطرق التقليدية يا اخي بحب الاكل بس لقيت الحل ” فقلت له وما هو ذلك الحل السحري فقال لي وبكل سعادة “المشد الحراري “.
لم يعي صديقي بأنه يضحك على نفسه وأنه من داخله لا يريد ان يفقد هذه السمنة وانه اناني على نفسه وحتى على من حوله ممن يحبون له الخير ، اعتقد بأن ” المشد الحراري ” بصناعته الاجنبية سيقوم باللازم حتى وان كان بيده اليمنى “سندويشة” وباليسرى ” مشروب غازي” ، ظل هكذا الى ان وافته المنية بسبب تراكم الدهون في الجسم ، علما بأنه قد مات وهو يرتدي ذاك المشد .
لا أدري لماذا كلما تذكرت صديقي هذا أذكر بعض الحكومات وكيف تقوم ببناء موازنتها العامة حيث انها تحمل تلك الموازنة الكثير من الاعباء وكيف أنها جعلت من هذه الموازنة “كرش” كبير تضع فيه الأمول الكثيرة حتى تشبع دون أن تدرك بأنها تضر نفسها وتضر من حولها ، وانها ستضطر في يوم من الأيام الى ان تقلل من مصاريفها وان تحاول جاهدة بان تعود بموازناتها ومصاريفها الى الحجم الطبيعي الا انها لن تنجح لانه قد فات الأوان كما حصل مع صديقي السمين ، فللأسف حتى مشاريعها تجاه هذا الأمر ما هي الا “مشد حراري” يا حسرة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى