الموت أرحم وأكرم
هل نحن على قدر مع حكومات دأبها ولا حل لديها سوى أن تزيد من معاناة المواطنين يوما بعد يوم، فقبل أن يجف حبر قرار يظهر قرار جديد يحمل ما هو أشد اسودادا سابقه، حتى غدا المرء يتوارى من نفسه أمام أهله وهو يعجز عن مواءمة أدنى مستلزماتهم مع دخله المتآكل، والظروف القاهرة أجبرت الأسرة جميعها على العمل بأجور بخسة لتستطيع الوفاء بأقل المتطلبات، والحال غدا لا يسعف، بل من ضيق إلى ضيق.
فكل حكومة من الحكومات قريبة العهد أصدرت العديد من القرارات المتوالية المجحفة بحق المواطن المغلوب على أمره، وإن ادعت في لحظات تراجعها عن قرار ما إلا أن ذلك القرار ظل ساري المفعول، واجب التطبيق عند مراجعة الدوائر المختصة، وليس أمام المواطن المضطهد سوى الإذعان… وليس له إلا التسليم.
أعتقد أنه لا يليق بهيبة الحكومة كصاحبة قرار، ولا بمجلس النواب كجهة تشريع ورقابة أن يتم التفاوض الذي يفضي في النهاية إلى التوافق بينهما على مقادير رفع الأسعار على هذه السلعة أو تلك، وتكون الغلبة لمجلس النواب الذي ينتصر للشعب بأن يبقى سعر اسطوانة الغاز كما هو عليه، دون أن يلاحظ بأن ما تم تحصيله من فروقات أسعار المواد التي تم رفع أسعارها يفوق بكثير فرق رفع سعر اسطوانة الغاز التي أصبحت ثمثال قوس النصر للنواب والحكومة على السواء لادعاء كليهما بالحفاظ على كرامة المواطن الذي سئم كرامته المرتهنة بسعر (اسطوانة غاز) وفتات رغيف الخبز.
الحلول الأكثر دواما أسهل بكثير مما تلجأ إليه هذه الحكومة أو اللاتي سبقنها، غير أن الأمر يحتاج إلى قرار جريء لن يقدم عليه أحد لأنه يقاوم البذخ ويقوم على أسس قوية وحازمة وحاسمة تبدأ بأصحاب القرارات أنفسهم ورواتبهم وميزاتهم والعوائد التقاعدية لهم ولزملائهم الذين سبقوهم في تبوء المناصب، ثم تلحق بالنواب الذين يشرعون لأنفسهم حقوقا على نفقة الشعب، ثم إيواء المؤسسات المستقلة ماليا وإداريا بما فيها الجامعات الرسمية تحت مظلة الحكومة، ومساواة كافة الرواتب لكافة الموظفين في كافة المؤسسات وفق نظام الخدمة المدنية، فلا يصح أن زميلين يتساويان في المؤهل يفترقان في الدخل لأن كلا منهما في مؤسسة، وإن بعد ذلك تحقق بعض العائد مما تم التطاول عليه من المال العام بوسائل الفساد فذلك خير.
الحكومة التي تدعي إعلاميا حرصها على الوطن أوصلت أرباب أسر هذا الوطن الذين هم عماده إلى حافة الموت الشنيع دون أن يتمكن من أرواحهم المثقلة بالأحزان، بل أصبحوا وهم يريدون الموت يستعيذون منه لأعبائه التي ستقع على عواتق الذين وراءهم، والحيرة تتشبث بتلابيب صدورهم ماذا هم فاعلون والآفاق تطبق عليهم من الجهات الست. فهل من رجل ينفض عن الوطن بعض البؤس الذي يحيق به.