المنسف والسلاح سِمتان ثقافيتان لهوية الأردنيين تاريخيا

المنسف والسلاح سِمتان ثقافيتان لهوية الأردنيين تاريخيا.
ا.د حسين محادين

– اي كانت مبررات ونتائج تسرع الحكومة في “سلق” مشروع قانون جديد للأسلحة رغم معرفتها ربما؛ بضرورة التدرج في انضاجه واقراره بالتوافق مع كل الاردنيين؛ ولعل اندفاع الحكومة المفاجىء لإلغاء قانون السلاح والذخائر الحالي؛ والمعمول به منذ بداية خمسنيات القرن الماضي؛ وزجها لمشروع القانون الجديد والحساس جدا بالنسبة للأردنين هو ملامستها بهذا العمل احد اعصاب المجتمع الاردني الحساسة جدا؛ فأقتناء وتجارة السلاح تاريخيا كونا سمة مميزة من سمات هويتهم الاقرب للبداوة منها للمدنيِة؛ ترلبطا مع حقيقة ان الحكومة لم ودون تسوق فكريا ومؤسسيا بصورة مسبقة بين المواطنين ومؤسسات المجتمع المختلفة اهمية عملية تقنين السلاح واهمية رصده وتسجيلة ؛الأمر الذي جعل منه كمشروع قانون؛ موضوعا مُستفِزا وحتى خلافيا على الصعدين السياسي والثقافي الرسمي والشعبي معا؛ خصوصا بعد أن تم وضعه فجأة على جدول اعمال الدورة الاستثنائية لمجلس النواب الصامتون اعضاءه عن التصريح عن مقتضياته كقانون للان.
– اقول من الممكن ان يُقر هذا القانون او يُعدل في الدورة الاستثنائية، ولكن الاهم علميا وحياتيا وامنيا هل سينجح ؛تطبيقه لاحقا؟.
– من هنا ؛ لابد من الاستناد في هذا الربط التحليلي والعلمي الى :-
أ- الوعي التاريخي لتشكل هوية الأردنيين ومكانة والزامية الرموز فيها – المنسف والسلاح- في يومياتهم ابتداءً .
ب- إطروحات علم الاجتماع السياسي؛ وبوعي غير مجامل للحكومة والنواب معا؛ خصوصا وان هناك توأمة عقلية تاريخية التوارث بين المنسف والسلاح في أذهان تتجلى بوضوح في سلوكيات وهوية الاردنيين الحياتية منذ تأسيس الامارة في الحد الزمني الاقل لهما.
اولا المنسف – لابد من الانطلاق في هذا التشخيص بأن بنية وتطور المنسف -وهو جزء من غريزة الطعام والدفاع عن الحياة بالمغالبة والفروسية- قد أكتُسِبت لدينا كاردنيين بالمعنى الدستوري؛ عبر أنماط التنشئة الاجتماعية والتربوية المرتبطة علمياً وجغرافياً بالطبيعةالصحراوية/البدوية لحياتنا غالبا؛ وبطبائعنا وثقافتنا اليومية والسلوكية المعبرة عن هذا الجذر البدوي الكامن والفاعل في شخصيتنا الاردنية للآن ؛رغم كُثرة اعداد المتحضرين منا وسكنهم المظهري في المدن او بتعبير ادق اننا مازلنا في مرحلة التريّف الحضري .
– لقد تعدى وارتقى المنسف كطعام من حدود الغذاء المرتبط بالعيش المجرد؛ أوالاكتفاء بعدم اصابة الاردنيين بسوء التغذية كمرض قديم؛ ارتقى المنسف لاحقا من طعام الى هوية وطنية جامعة؛ فدلالات المنسف الثقافية والقيمية الجماعية للاردنيين في في البادية والريف والمدن والمخيمات هي سِمات مميزة ومحصِنة للوجدان الشعبي؛ فهو جامع عال المكانة والاحساس بالرضى الجمعي لدينا في الاتراح والافراح ؛ الى الحد الذي يشعر الاردني بنقص ما بواجبه/هم اذ لم يكرموا كضيوف بالمنسف؛ حتى وان كانت كلفة غيره من الاطعمة المقدمة لهم اعلى مادياً كواحدة من ابرز نتائج دراسة علمية محكمة ومنشورة قمت باجرائها عن المنسف الاردني كهوية وطنية .

ثانيا السلاح – اما السلاح فتمكن حساسية التعامل معه وتقنينه اردنيا وفي هذا الوقت بالذات ؛ من حقيقة الاحساس – الفردي والجمعي المتأصل عبر الاجيال- بالإكتمال والاستقرار النفسي والأمني لدى الاردنيين ؛وبغض النظر عن درجة وكيفية رشادة استعمال هذا السلاح المُدعم تاريخيا في إيمانهم بأهمية الحفاظ على أمن الوطن؛ والمراكمة على منجزات اجيالة؛ ضمن اقليم ملتهب الاطماع والغموض راهنا وفي المستقبل؛ نحو طبيعة واتجاه التحديات الداخلية والاقليمية التي يواجهها مجتمع ودولة الاردنيين.
وبناء على ما سبق؛ فقد مثل المنسف والسلاح كثنائية معا؛ ابرز سمات وجوامع الهوية الاردنية بمختلف منابتها واصولها عبر الاجيال؛ ربما لأنهم ابناء لثقافة المغالبة والقسوة اكثر منهم الى ثقافة الحوار والرفاه .
ومن هنا تأتي ضرورة التأن المتدرج في التعامل الحكومي والنيابي مع مشروع قانون السلاح ومصاحباته السياسية والتجارية والامنية المترابطة والحساسة جدا لدى اهلنا؛إذ لا اتمنى ان نُصدر قانون ما؛ وتكون الثقافة المجتمعية المتجذرة؛ هي الاقوى تأثيرا في يومياتنا مقارنة بنصوص قانون السلاح والذخائر مثار النقاس؛ فالعادات الاجتماعية ذات المصلحة الجمعية للناس؛ هي الاكثر نفاذا وسطوة من بعض القوانيين المهمل تطبيقها؛ وتحديدا في المجتمعات المتحولة من قيم البادية والريف نحو اطراف المدنية كالمجتمع الاردني الناهض ؛ والذي مازال التقاضي فيه متجاذباً بين حديّ الاعراف العشائرية و سلطة المحاكم الرسمية بصورة مترابطة او إنتقائية للآن.
*أكاديمي وعضو مجلس محافظة الكرك”اللامركزية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى