الملك فاروق والنهاية الحزينة

الملك فاروق والنهاية الحزينة
موسى العدوان

وُلد الملك فاروق في القاهرة عام 1920 ونشأ وحيدا بين عدد من الشقيقات لوالده الملك فؤاد الأول. وتلقى تعليمه على أيدي مدرسين خاصين بريطانيين ومصريين، وأصبح وليا للعهد في سن مبكرة. ثم تولى العرش في السادسة عشرة من عمره، بعد وفاة والده عام 1936.

ولكونه قاصرا فقد تم تشكيل مجلس وصاية بدلا عنه لمدة سنة وثلاثة أشهر، ترأسه عمه الأمير محمد علي إبن الخديوي توفيق. ثم تُوج فاروق ملكا على مصر عام 1937 بعد احتساب سنّه على التاريخ الهجري.

تزوج فاروق مرتين كانت زوجته الأولى صافيناز ذو الفقار وجرى تغيير اسمها بعد الزواج عام 1938 ليصبح فريدة، فأنجبت منه ثلاث بنات ثم طلقها عام 1949 لعدم إنجابها وريثا للعرش.

غضب الشعب لهذا الطلاق لأنه كان يحبها كثيرا ويشعر بأنها قريبة من طبقاته وأحواله، ورأوا فيها وردة مصرية طاهرة نقية، فطافت المظاهرات في شوارع القاهرة تهتف : ” خرجت الفضيلة من بيت الرذيلة “.

تنازل الملك فاروق عن العرش للمرة الأولى في 2 فبراير 1942 عندما قامت القوات البريطانية بمحاصرة قصر عابدين، ومارس السفير البريطاني مايلز لامبسون الضغط على الملك، للتوقيع على قرار باستدعاء مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد لتشكيل الحكومة بمفرده، لضمان العمل بمعاهدة 1936 وضبط الموقف الداخلي في مصر، الذي كان مشحونا باحتمالات خطيرة تشكلها قوات رومل المتواجدة في مدينة العلمين وتنوي التقدم باتجاه القاهرة. وطلب السفير أن يتم ذلك في موعد أقصاه 3 فبراير 1942، والتلويح أمام الملك، باستخدام القوة إذا استدعى الأمر.

وفي صباح يوم 4 فبراير 1942 سلّم السفير لامبسون رئيس ديوان الملك أحمد حسنين باشا الإنذار التالي : ” إذا لم أعلم قبل الساعة السادسة مساء اليوم أن النحاس باشا قد دُعي لتشكيل الحكومة، فإن على الملك فاروق أن يتحمل تبعة ما يحدث “. وفي مساء ذلك اليوم توجه السفير يرافقه ( الجنرال ستون ) قائد القوات البريطانية في مصر، ومعهما عدد من الضباط البريطانيين المسلحين، مدعمين بالدبابات والجنود وحاصروا قصر عابدين. ثم دخل السفير والجنرال إلى مكتب الملك فاروق الذي كان يقف إلى جانبه رئيس ديوانه أحمد حسنين باشا، ووضع أمامه وثيقة التنازل عن العرش للتوقيع عليها.

كان نص الوثيقة للتنازل عن العرش كالتالي :

” نحن فاروق الأول ملك مصر، تقديرا منا لمصالح بلدنا، فإننا هنا نتنازل عن العرش ونتخلى عن أي حق فيه لأنفسنا ولذريتنا، ونتنازل عن كل الحقوق والامتيازات والصلاحيات التي كانت عندنا بحكم الجلوس على العرش، ونحن هنا أيضا نحل رعايانا من يمين الولاء لشخصنا.
صدر في قصر عابدين في هذا اليوم الرابع من فيراير 1942 “.

تردد الملك لثوانٍ وكاد أن يتناول القلم ليوقع وثيقة التنازل، إلاّ أن رئيس ديوانه تدخل باللغة العربية وقال شيئا للملك، فتوقف الملك عن التوقيع وبدا عليه شيء من الهلع. فسأل السفير رئيس الديوان قائلا : لابد أن أعرف ومن دون مراوغة ما الذي سيعمله الملك ؟ فأجابه بأن الملك سيستدعي النحاس باشا على الفور لتشكيل الحكومة. فقال السفير: سأعطيه فرصة أخيرة، لأني أريد أن أجنّب بلاده تعقيدات قد لا تكون سهلة في هذه الظروف، على أن تكون الحكومة من اختيار النحاس وحده. وتم بالفعل تشكيل الحكومة برئاسة النحاس باشا في نفس اليوم.

تزوج الملك فاروق للمرة الثانية من السيدة ناريمان صادق عام 1951، وهي التي أنجبت ولي العهد الأمير أحمد فؤاد الثاني، والذي لقب ” بأمير الصعيد “. وبتاريخ 23 يوليو 1952 وقع الانقلاب العسكري على نظام الحكم، من قبل الضباط الأحرار برئاسة اللواء محمد نجيب، حيث تم حصار قصر عابدين، وطُلب منه التنازل عن العرش لابنه.

ولم يكن أمام الملك سوى أحد خيارين، إما أن يتمسك بالحكم والدفاع عن عرشه، وإما التنازل عن العرش لإبنه الطفل أحمد فؤاد، الذي لم يتجاوز عمره ستة أشهر. فاختار الملك التنازل عن العرش والرحيل خارج البلاد، دون مقاومة للضباط الأحرار حقنا للدماء، ولكنه طلب منهم الحفاظ على كرامته. وكان نص وثيقة التنازل عن العرش كما يلي :

” أمر ملكي رقم 65 لعام 1952 ”

نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان،
لمّا كنا نطلب الخير دائما لأمتنا ونبتغي سعادتها ورقيها،
ولمّا كنا نرغب رغبة أكيدة في تجنيب البلاد المصاعب التي تواجهها في هذه الظروف الدقيقة، ونزولا على إرادة الشعب، قررنا النزول عن العرش لولي عهدنا الأمير أحمد فؤاد، وأصدرنا أمرنا بهذا إلى حضرة صاحب المقام الرفيع علي ماهر باشا، رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه.
صدر بقصر رأس التين في 4 ذي القعدة 1371 الموافق 26 يوليو 1952.

* * *
وفي مساء يوم 26 يوليو 1952، غادر الملك فاروق وزوجته ناريمان قصر رأس التين بالإسكندرية، مرتديا لباس أمير البحر على ظهر اليخت الملكي ” المحروسة “، وهو نفس اليخت الذي غادر به جده الخديوي إسماعيل، عندما عزله السلطان العثماني عن الحكم عام 1879. حمل الملك المعزول معه 22 حقيبة ملابس له ولزوجته، وبجيبه 5000 جنيه مصري، إضافة لِ 20000 جنيه بحسابه في بنك سويسري فقط.

أطلقت المدفعية 21 طلقة وداعا للملك السابق فاروق، استجابة لطلبه من الضباط الأحرار بالحفاظ على كرامته. لم يبكِ الملك عندما تنازل عن العرش لابنه الطفل أحمد فؤاد الثاني ( الذي ما لبث أن خُلع عن العرش وتحول نظام الحكم إلى جمهوري )، لكن دموعه انهمرت وهو يلقي نظرة الوداع على مصر، من فوق اليخت الذي أقله لآخر مرة من الإسكندرية إلى منفاه في إيطاليا.

كانت آخر كلماته للواء محمد نجيب الذي جاء لوداعه : ” إن مهمتك صعبة جدا، فليس من السهل حكم مصر “. وبعد أقل من عامين في المنفى طلبت زوجة الملك السابق ناريمان الطلاق وعادت إلى مصر، وبقي هو في منفاه إلى أن توفي عام 1965.

* * *
التعليق :

1. يظهر من هذه القصة المحزنة لنهاية ملك مصر والسودان، كيف أن القوى العظمى تتحكم بمصائر الدول الضعيفة وكيف تتدخل حتى بسيادتها الوطنية.
2. أحب الشعب زوجة الملك الأولى صافيناز، لأنه شعر أنها قريبة منه حقيقة وليس تمثيلا، فعبّر عن حبه لها بالمظاهرات في شوارع القاهرة، رغم أن ذلك موضوع شخصي يخص الملك نفسه وعائلته.
3. عندما أزفت ساعة الحقيقة وجاء وقت الرحيل، حقن الملك دماء شعبه ولم يطلب من الحرس الملكي أومن القوات البريطانية القريبة منه، التدخل ومقاومة الانقلابيين دفاعا عنه، وبذلك فعل خيرا وكتب نهايته بيده.
4. غادر الملك وطنه ولم يحمل معه سوى ملابسه وملابس زوجته وقليلا من النقود، إذ صادرت الدولة جميع أمواله وممتلكاته، وأمضى بقية عمره منفيا وحزينا، إذ تخلت عنه حتى زوجته.

التاريخ : 6 / 11 / 2019

المرجع :
كتاب لحظات فاصلة من حياة الزعماء / رمزي الميناوي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى