المفسدون للدين

المفسدون للدين
د. هاشم غرايبه
ما زالت القلاقل تعم شوارع #طهران رغم مرور ثلاثة أسابيع على الحادث الذي أشعل فتيل الاحتجاجات، وهو مقتل فتاة بعد اعتقالها من قبل الشرطة بتهمة عدم التقيد بقواعد لبس الحجاب.
بغض النظر عن استغلال #الغرب للفعل الشائن وتسخير أتباعهم العلمانيين لتنظيم تلك #المظاهرات، ورغم أنه لا جدال في شرعية الحجاب، لكن هل الشرع يجيز معاقبة من لا تلتزم به بما يوصل الى القتل حتى لو كان بالخطأ؟.
وهل ما يطبق في الدول التي تدعي أنها إسلامية هو شرع الله أم شرع المتشددين؟.
أليس الأولى بتلك الأنظمة البدء بتطبيق شرع الله في أساسيات الحكم بما أنزل وليس وفق ما يريده الغرب!؟.
لو تركنا #إيران التي يحكمها آيات الله، وفق مذهب التشيع المخالف لما أرساه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته، وفحصنا أنظمة سُنيّة من الذين يدّعون أنهم يتبعونه وما جاء به السلف الصالح، لا نجد اختلافا كبيرا.
فبعد زيارة “ترامب” للسعودية، جرى انقلاب حاد على مفاهيم أرستها الوهابية السلفية طوال القرن الماضي، معتبرة أنها جوهر العقيدة ومناط التدين.
من المعروف أن السلفية الوهابية تعتبر من أكثر الإتجاهات الإسلامية تشددا، لكنه في الواقع تشدد في الالتزام بالمظاهر والقشور، وليس في جوهر العقيدة ولا في مقاصد الشريعة، وأوصلت المبالغة في ذلك النهج المذهب الى الجمود، ومن ثم التخلف والرجعية، يظهر ذلك في فتاوي كثيرة لشيوخ هذا المذهب، منها: تحريم علم الجيولوجيا للفوزان، وتحريم اللجنة الدائمة للإفتاء إهداء الزهور، وفتوى تحريم رنات الهاتف الخلوى للشيخ محمد صالح المنجد، لكن أفظعها جميعا، الفتوى التى أعادتنا إلى عصر ما قبل جاليليو، وهى فتوى الشيخ بن باز: “القول بدوران الأرض قول باطل والإعتقاد بصحته مخرج من الملة”.
في كل الأنظمة العربية، ظل الفهم المتخلف للدين يخدم أهداف السلطة الحاكمة وأسيادهم الإستعماريين، لأنه يشغل الشعوب بالشكليات وسفاسف الأمور عن تفحص أفعال المستبدين محتكري السلطة، فكانت الصفقة بالإفتاء بتكفير من يخرج عن طاعة ولي الأمر وعدم جواز مساءلته عن مخالفته الشرع، بحجة أنه الأعرف بالمصلحة، مقابل التسهيلات والأعطيات لشيوخ هذا المذهب، ولأتباعهم من غير المتعلمين ولا يملكون أية مؤهلات، فأنشأوا منهم جيشا يسمى (المطوعين).
بعد الحرب على الإرهاب، اعتقد الغرب أنهم قد أضعفوا الإسلام، وأن من يخشون قدرتهم على إعادة توحيد الأمة قد باتوا في أضعف حالاتهم، فهم إما في السجون أو مهددين بتهمة تأييد الإرهاب، فلا يجرؤون على بث فكرهم، لذلك لم تعد الأنظمة بحاجة الى خدمات هؤلاء الذين جمدوا الفكر الإسلامي بأن جعلوا التقدم والتجديد عدوين للدين، فكشفت عن حقيقة أن منهجها ليبرالي، فبدأوا التحولات (الإصلاحية) سريعا، وكأنهم يسابقون الزمن في التخلي عن تلك التي كانوا يجاملون المتشددين بتطبيقها.
هنا يجب التوقف عند مسألة هامة: هذا الفكر الذي كان يدّعي متبنوه أنه الدين الحقيقي وما خلاه باطل، هل لو كانوا ملتزمين حقيقة بما يدّعون..هل كانوا يسكتون عن كل هذا التحول الانقلابي؟.
القلة التي بقيت على مبدئها زجت في السجون، وتخلى أتباعهم عن نصرتهم، بل أن بعضهم نظم قصائد البيعة، وآخرون صرحوا بتوبتهم عن منهجهم، وتأييد هذه الثورة الليبرالية (المباركة!).
بل ما الذي فعلته جحافل (المطوعين) التي كانت تتدخل في خصوصيات الناس بحجة المحافظة على تعاليم الدين وبمنع الإختلاط؟، أين كانوا عندما كان الآلاف من الشباب ذكورا وإناثا يتهافتون على حضور الحفلات الغنائية العامة؟..وأين فتوى تحريم الموسيقى!؟.
وبماذا نفعت عقود من التشدد والمنع والمصادرة والفصل الكامل بين الجنسين؟.. هل نفع ذلك بتحصين الشباب ضد الفجور والفسوق؟.
يوما بعد يوم يثبت لدينا أن أهم أسباب فشلنا في النهوض كسائر أمم الأرض، كان لعجزنا عن التمسك بديننا الصحيح، الذي بقي على الدوام إما مختطفا من قبل المتخلفين القاصرين عن فهمه، فيسخرونه لتغطية أمراضهم النفسية وعقدهم الإجتماعية، أو ملاحقا من أعدائه الذين يخشونه كمهدد لأطماعهم ومكاسبهم.
متى ما تمكنا من تخليصه من تلك الأيدي، سينقذنا، فهو طوق نجاتنا الوحيد من مستنقعي الجهل والظلم اللذيْن ما زلنا غائصين بهما.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى