الحب في خريف العمر / سعيد ذياب سليم

الحب في خريف العمر
سعيد ذياب سليم

عندما تولد الأشياء في غير موسمها، تكون عبثية ومستحيل بقاؤها، كالحب في الخريف، ذلك الوقت الذي تداعب فيه الريح أغصان الشجر، مسقطة أوراقها الصفراء، كيف للحب أن تتفتح أزهاره في جو تزدحم فيه النهايات، وتحاصرك إشارات القدر فلا منفذ ترى و لا طريق.
كانت تقف في ظل “شجرة السماء” ، تلتقط أنفاسها، تنثر عليها الشجرة وريقاتها الذهبية، في طقس احتفالي بهيج، في عينيها ابتسامة ساحرة، تغوي بها الدنيا، تنتظر صويحباتها المشاركات في ” المارثون”، التقتْ مفردات الجمال جميعا، توقفت عندها نظراتي، لست العاشق الذي وجد ضالته، لكنني القلب الذي يهزه الجمال والحنين.
ما الذي يجعل نظرات الغرباء شفافة؟ آسرة، عميقة الغور، قادرة على فك طلاسم الروح، تحدثك بلغة أقرب إلى البوح، وجدت نفسي سائرا في حدائق عينيها، متعبة أنت؟ قليلا ، كانت إجابتها، تسابقت أسئلتي إليها، من أين انطلقتم؟ وعن المسافة ونقطة النهاية، و أشياء أعلمها جيدا، كانت ردودها بين ابتسامة، وحركة من يدها، ونظرة لا تخلو من تحد وحب للمغامرة، ما لنا نصبح أطفالا في حضرة الحب؟
تعجبنا حكايات الآخرين، نقتات أخبارهم، نتحسس سعادتهم، هل هو الخريف؟ أم أننا في الحياة نعيش على الشاطئ ، نخاف البحر، الغوص يحتاج منا مهارة وفن، عاداتنا تحول بيننا وبينه، تنكر علينا المحاولة ، وتلبسنا ثياب طهارة في انتظار النهاية.
هل أطلب عنوانها ؟ أم أنهي هنا الحكاية؟ لكن فضاؤنا أتاح لنا اللقاء في عالمه الافتراضي، فلنا هناك أحبة و أصدقاء يراقبون تعليقاتنا، يطمئنون علينا، تتطور علاقاتنا بهم ونحيا معهم حياة عجيبة.
تتعثر خطواتنا في البحث عن أمل ، يقودنا خارج هذه المتاهة ، التي تغلق على القلب نوافذه، هي حالة خادعة من فوضى المشاعر، يثيرها تقلب الفصول، تُعلّق القلب بابتسامة عابرة، خفة الروح، أو نظرة ساحرة أصابت بسهمها مقتلا.
كنا قد ترجلنا من السيارة، و أكملنا السير باتجاه وسط البلد، لإفساح المجال للمشاركين في “الماراثون”، انتبهت لرجل طاعن في السن، يحمل عكازه و يسير بجواري، يحدّث نفسه، ولأن إيقاع خطواتنا متزامن، تبادلنا الحديث ، علمت أنه على أبواب المئة، و أنه عارك الحياة على جواد فارس، ومازال، تركته يسير وحيدا، واستوقفتني “شجرة السماء” بوريقاتها المركبة، وبذورها المغلفة كلسان الطير، تظلل ذلك الكائن السماوي.
فتيان و فتيان، رجال و سيدات، يهرولون، يسيرون ثم يتوقفون هنا و هناك، في لوحة زهت بها عمان، نهار ساطع يضيئه الفرح، رجال الامن يقفون على ضفاف الحياة يحرسون ابتساماتنا، و يفتحون للسعادة الأبواب.
طالت وقفتنا، نخادع اللحظات، ونلملم الحكايات، ونبحث عن أسباب قد تجمعنا من جديد، هي بما تملك من فضول العمر و أنا وسنيني التشرينية، لا بد أن أكمل السباق ،قالت و قفزت إلى تيار النهر البشري باتجاه النهاية، كان بيننا حاجز يمنع تداخلنا، سرت على الرصيف، أبحث في البضائع المكدسة، عن ذكريات أصحابها، بضائع قديمة مستعملة، يغطيها غبار الزمن، كأنه متحف التاريخ، وعتاد حوادثه، في انتظار صلاة الجمعة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى