المركز الوطني للأمن وإدارة الأزمات . . هل من ضرورة ؟
بتاريخ 25 / 6 / 2016 كتبت مقالا حول هذا المركز، الذي أقيم على الساحة الأردنية قبل سنوات عديدة وكلف ملايين الدولارات، وقيل في حينه أن لا نظير له في منطقة الشرق الأوسط. ولهذا المركز مجلس إدارة يرأسه رئيس الوزراء، ويشترك بعضويته الوزراء المعنيون وجميع رؤساء الأجهزة المعنية.
وقد حُددت واجباته بما يلي: معالجة الكوارث الطبيعية، التعامل مع الأحداث التي تهدد الأمن الوطني كالاضطرابات والفتن الداخلية، والتي تحدث خسائر بالأرواح والمرافق العامة والممتلكات، والتي لها آثار سلبية على الاقتصاد الوطني والرفاه الاجتماعي، أو على سلامة البيئة والصحة العامة، والقضايا التي يقررها رئيس الوزراء. رئيس الوزراء السابق الدكتور عبد الله النسور أكد على: ” ضرورة الاستفادة من الخبرات والتوصيات التي يصدرها المركز، حول السياسات والإجراءات المتعلقة بإدارة الأزمات “. وإيمانا بحقي كمواطن في أبداء الرأي بما يدور على ساحة وطني، فإنني أرغب بمناقشة هذا الموضوع على ضوء التجارب والدروس السابقة، ومن وجهة نظر محايدة تنعكس بالتالي على مصلحة الوطن دون سواها.
فمن حيث المبدأ نلاحظ أن اسم المركز يتضمن محورين رئيسيين هما : الأمن ، وإدارة الأزمات. فمفهوم الأمن لا يشمل أعمال الشرطة بمختلف مساقاتها فحسب، بل يمتد إلى محاور هامة أخرى مثل : الأمن الوطني، الاجتماعي، الاقتصادي، الفكري، النفسي، الصحي، الغذائي وغيرها. وقبل التحول إلى الجزء الثاني من اسم المركز وهو إدارة الأزمات، لابد من الحديث عن طبيعة الأزمات والتعرف على حيثياتها، لربطها مع أسلوب معالجتها فبما بعد.
الأزمة لها تعريفات عديدة اخترت من بينها التعريف التالي : ” هي أي حالة يتوقع أن تقود إلى موقف غير مستقر أو خطير، يؤثر على الأشخاص أو الجماعة أو الهيئة أو المجتمع بأكمله. وتؤدي تلك الأزمات إلى تغييرات سلبية في : الأمن، الاقتصاد، السياسة، الحالة الاجتماعية، البيئة، خاصة عندما تحدث بصورة مفاجئة مع إنذار بسيط أو دون إنذار، وهي وسيلة للتعبير عن ” وقت الاختبار “. وقد تكون الأزمة آنية مفاجئة كحادثة إرهابية أو كارثة طبيعية، أو طويلة الأمد كإحدى القضايا السياسية أو الاجتماعية.
أما إدارة الأزمات فتعني: ” كيفية التغلب على الأزمات باستخدام الأساليب السياسية أو العلمية أو الإدارية أو الأمنية، لتجنب سلبياتها والاستفادة من إيجابياتها. وهناك وجه آخر لإدارة الأزمات وهو ما يطلق عليه : ” الإدارة بالأزمات “. وهذا أسلوب يقوم على افتعال أزمة معينة، كوسيلة للتغطية والتمويه على أزمة قائمة تواجه الكيان الإداري. فنسيان أزمة ما يتم فقط عندما تحدث أزمة أكبر وأشد تأثيرا منها، تغطي على تلك الأزمة القائمة.
ومن الجدير بالذكر أن هناك إضافة إلى الأزمات ما يطلق عليه مشاكل، ولكن هناك اختلاف في المفهوم بين الاثنين. فالمشاكل تحدث نتيجة لأخطاء معينة يمكن تصحيحها، أما الأزمات فهي خطايا كبيرة يصعب تصحيحها، دون بذل جهود حثيثة أو دفع ثمن غال لعلاجها. ومن أسباب نشوء الأزمات، الفشل الإداري لمتخذ القرار إما بسبب عدم الخبرة، أو بسبب عدم الاهتمام أو بكلاهما. ومهما يكن الأمر فلا يجوز التغاضي عنها، بل محاولة التنبؤ بها ووضع الحلول المناسبة لها قبل وقوعها، علما بأن لكل أزمة مقدمات تشير إليها. وإذا ما تكرر وقوع الأزمات، فهذا مؤشر على عمق الفشل الإداري والذي يستدعي بالضرورة، تغيير القائمين على إدارة ذلك الكيان الإداري.
بعد هذه المقدمة الأكاديمية التي لا غنى عنها، أعود إلى عنوان هذا المقال لمناقشته بفكر مفتوح وبنية سليمة، وأطرح السؤال التالي: ما هي الأزمات التي عالجها هذا المركز منذ تأسيسه قبل أكثر من خمس سنوات وحتى الآن، أم اعتبر القائمون عليه أن لا أزمات اجتاحت أو تجتاح الأردن في الماضي والحاضر؟ ولكي أحدد ما أعنيه بصورة أدق في مجال الأمن الوطني، أتساءل من جديد: ما هي التوصيات التي قدمها المركز لمعالجة أزمة اللاجئين السوريين وغيرهم، والتي شكلت ضغطا على جميع موارد الدولة: المالية والاجتماعية والتعليمية والأمنية وفرص العمل أمام الأردنيين، في ظل تهرب الدول المانحة من تقديم المساعدات الكافية، لتغطية احتياجات هذا العدد الكبير من اللاجئين، والذي يشكل حوالي 25 % من سكان الأردن ؟
ثم ما هي التوصيات والخبرات التي قدمها المركز بخصوص الأزمات التالية: المديونية العالية وتأثيرها على الأمن الوطني ؟ تدني مستوى التعليم في المملكة ؟ معالجة الفقر والبطالة ؟ تفشي آفة المخدرات في المجتمع وخاصة في المعاهد التعليمية ؟ مكافحة الفساد والاختلاس والرشوة والترهل الإداري ؟ العنف المجتمعي وظاهرة الانتحار ؟ ألا تشكل هذه القضايا أزمات خطيرة تضرب في قلب الأردن وتهدد أمنه الوطني ؟ فأنا شخصيا لم أسمع أو أقرأ أن المركز قدم دراسة أو تواصي للمعنيين، في أي من هذه المحاور الهامة أو مجرد الإشارة إليها.
أما في الأزمات الأمنية المفاجئة والتي حدثت خلال هذا العام على حدود الشمالية في منطقة الرقبان، والبقعة، واربد، وأخيرا في قلعة الكرك وأختيها القطرانة وقريفيلا، فلم أشاهد أي مساهمة فعالة لهذا المركز، سوى أن جلالة الملك تابع مجرى العمليات من خلال شاشة المركز الإلكترونية، والتي يمكن فعلها من مكان آخر. كما لم يشكل رئيس المجلس خلية أزمة، تدير العمليات الأمنية ضد الإرهابيين في منطقة الأحداث. أليس هذا من المسئوليات الرئيسية للمركز العظيم ؟ أم أن مسئولياته تقتصر على التنسيق بين أمانة عمان والوزارات المعنية، لفتح أنفاق المياه وإزالة الثلوج من الطرق خلال فصل الشتاء في عمان وما حولها ؟ أتمنى على من لديه ما يخالف هذا الكلام، أن أسمع إجابته ويصحح معلوماتي بالخبر اليقين لأقدم له الشكر.
الخلاصة أقولها بكل صراحة: إذا كان عمل المركز عبارة عن مركز اتصالات وتنسيق بين الوزارات والدوائر فقط، وأن المهام التي أسندت إليه أكبر من قدراته، فأرى أن لا ضرورة لوجوده، لأننا لا نريد مركزا يتميز بأعلى المواصفات العالمية، ولكنه عاجز عن أداء واجباته الرئيسية. والعمل الصحيح للمركز حسب اعتقادي، يتمثل في إيجاد خلية أزمة موسعة ومتفرغة، تشمل مختلف الاختصاصات والخبرات الضرورية، تعمل بصورة مستمرة على مدار العام، وتقدم دراساتها وتوصياتها في جميع القضايا المتعلقة بالأمن الوطني، لمعالجتها من قبل الجهات المختصة حفاظا على أمن البلاد.
أعلم بأن هذا الكلام سيزعج البعض، وأعلم أيضا بأنه لن يجد آذانا صاغية من قبل المسئولين اعتمادا على سياسة ( التطنيش ) المتبعة. ولكنني بالمقابل أعبر عما في ضميري تجاه وطن أنتمي إليه. وإذا تحقق توقعي، فإنني سأعتبر حديثي حُلم ليلة لفها صقيع الشتاء، دون إلقاء اللوم أو العتب على أحد . . !