المخططات الإسرائيلية… بث مباشر من القدس

#المخططات #الإسرائيلية… بث مباشر من #القدس

د. رياض ياسين

تتصاعد وتيرة العتداءات والاقتحامات المتكررة من قبل المستوطنين الصهاينة للمسجد الأقصى المبارك في شهر رمضان المبارك كل عام وتشتد وطأتها، حيث أن سلطات الاحتلال تشن حرب صامتة وعلنية على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية، بدليل أنها تقوم بتسيير دوريات أمنية داخل الأقصى وإدخال سيارة كهربائية لحماية اقتحامات المستوطنين، فضلاً عن قيامها باعتقال حراس الأقصى الذين يقومون بالتصدي لهذه الإعتداءات والاستفزازات المتكررة.
إن الصمت العربي والإسلامي تجاه ما يحصل في القدس سيشجع حكومة الاحتلال المتطرفة للاستمرار بالقيام باستفزازات غير مسبوقة بحق الفلسطينيين خلال شهر رمضان حيث تعمل سلطات الاحتلال على إلغاء التصاريح التي جرى إصدارها للكثير من الفلسطينيين الراغبين بزيارة الأقصى خلال شهر رمضان، كما قامت سلطات الاحتلال بمنع إدخال الطعام للصائمين والمعتكفين في الأقصى في سابقة لم يكن لها مثيل، فضلاً عن إغلاق المتوضأ الجديد في باب الغوانمة واقتحامه عدة مرات وزرع أجهزة تنصت داخله وعرقلة أعمال الصيانة في الأقصى وغيرها من الإعتداءات التي بدأت بمسيرة الأعلام المستفزة عشية شهر رمضان المبارك وما زالت مستمرة دون مراعاة لحرمة الشهر الفضيل.

مقالات ذات صلة

سياسة تضييق الخناق

هذه الاعتداءات تعزز المخططات الإسرائيلية لاستكمال المشروع الاحتلالي الإحلالي الاستيطاني في الأرض الفلسطينية التي عانت وتعاني من وطأة هذا الغزو المبرمج الذي لم يكن يوما يهدف إلا إلى إحداث التغيير في البنية الجغرافية والسكانية والمساس بالهوية الدينية والتاريخية للسكان العرب في فلسطين ، فمنذ بواكير الاحتلال الإسرائيلي البغيض للأرض العربية عام 1967 باشرت إسرائيل وهدمت حي المغاربة وجعلته ساحة لعبادتهم مقابل حائط البراق. كما سيطروا على كل حارة الشرف (الحي اليهودي) وأحكموا قبضتهم على الحي الأرمني وتغلغلوا في الحي المسيحي وتمكنوا من وضع اليد على أكثر من سبعين بؤرة سكنية في الحي الإسلامي. والآن يزيد عدد المستوطنات في القدس العربية على ثلاثين مستوطنة، إلى جانب تفريغ الأرض من سكانها العرب مسلمين ومسيحيين من خلال سياسة مصادرة الأراضي بشكل متعسف وأحيانا بحجة ما يسمى قانون أملاك الغائبين، وانتهاج سياسة تضييق الخناق على ممارسة العبادات والشعائر الدينية لاسيما حرمان المسلمين من شد الرحال إلى المسجد الأقصى خاصة في شهر رمضان المبارك وحرمان المسيحيين من التوجه للكنائس لاسيما في أعياد الميلاد. كذلك فإن إسرائيل تعتدي بصورة مستمرة على الأماكن المقدسة دون احترام لقدسيتها وخصوصيتها، فالحرم القدسي الشريف يتعرض منذ احتلال الأرض العربية عام 1967 لهجمات شرسة مبرمجة للنيل من هويتها وأصالتها، فالحديث المتكرر بعد الانتفاضة الثانية عن انتهاء السلطات الإسرائيلية من بناء الجزء الأكبر من مدينة دينية ذات طابع سياحي أسفل المسجد الأقصى بعمق 14 مترا هو حديث خطير لأنه قد يقوض دعائم وأساسات المسجد تمهيدا لإقامة ما يسمى الهيكل المزعوم. هذا ناهيك عن الحفريات المستمرة التي تنفذها السلطات الإسرائيلية تحت المسجد وفي محيط أسواره كان آخرها الحفريات في طريق باب المغاربة والتي أعلن مؤخرا فقط عن توقفها بعد أن تبين أن الآثار التي تم الكشف عنها هي آثار إسلامية.
أما الهدف الإسرائيلي من هدم تلة المغاربة وبناء جسر معدني حديدي فوق طريق باب المغاربة هو محاولة إدخال عربات عسكرية لمحيط الحرم القدسي الشريف الى جانب إدخال أكبر عدد ممكن من السياح والمتدينين الى المسجد الأقصى مما يشكل خطورة تكمن في إعتداءات قد ينفذها هؤلاء المتدينون والتي سبق وأن تعرض لها المسجد الأقصى ومحيطه.

البؤر الاستيطانية

الواقع على الأرض محزن للغاية فإلى جانب عشرات البؤر الاستيطانية في القدس الشرقية هناك عشرات الحواجزالعسكرية والجدران الاسمنتية الفاصلة والاسلاك الشائكة وجدار الفصل العنصري الذي يعزل القدس عن الضفة الغربية في محاولة لسلخ أهالي القدس عن الفلسطينيين، والواقع الديمغرافي محزن للغاية إذ أن 4 في المئة والمتبقية عمليا من مساحة القدس الشرقية هي التي يستطيع أن يعيش فيها أكثر من 230 ألف فلسطيني، والحصول على رخصة بناء بيت بمثابة حلم .
لقد أسست إسرائيل وفقا لسياسة التهويد اتجاها من شأنه أن يحسم مستقبل المدينة ويخرجها من دائرة التفاوض المرتقبة بخلق أمر واقع على الأرض، فإذا ما طرحت المدينة للتفاوض سيقتصر الحديث على إدارة المقدسات فقط، وهنا مكمن الخطورة أن يتم اختزال قضية القدس بالحديث عن المقدسات وإدارتها وحق السيادة عليها والتي بالتأكيد ستكون موضع جدال عقيم.
وفي كل رمضان تتزاحم الأخبار والتحذيرات عن قيام المتطرفين بالاعتداء مباشرة على المسجد الأقصى واقتحام حرمته، فاقتحام الأقصى بين الفينة والاخرى أكثر من مجرد اعتداء عرضي لمتطرفين يتم تحت أعين سلطة الاحتلال الإسرائيلي التي هي بموجب الاتفاقات والقرارات الدولية بمثابة الأمينة على هذه الممتلكات الثقافية، فإسرائيل وفقا لأحكام القانون الدولي تعتبر قوة محتلة، قامت بإحتلال القدس وباقي الأراضي العربية المحتلة بالإستناد للقوة، والإحتلال معرف تعريفاً واضحاً في المادة 42 من اتفاقية لاهاي لعام 1907.
هل سيكفي فقط تجريم إسرائيل واستصدار قرارات جديدة ضدها في حال كررت الإعتداء على الاماكن المقدسة، باعتبار أن الاعتداء على الأملاك الثقافية من أماكن دينية وأثـرية وتاريخية في أكثر من موضع وأكثر مــن قرار يعد بمثابة جرائم حرب، فقد أعتبـــــرت أحكام المادة (147) من اتفاقية جنيف الرابعة تدميـر واغتصاب الممتلكات الدينية والثقافية والتاريخية بصورة لا تقتضيها الضرورات الحربية الأكيدة من قبيل المخالفات الجسيمة، التي كيفت بنص المادة (85) من البروتوكول الإضافي الأول بأنها جرائم حرب. وهذا ما أكدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار رقم 36/147 عام1981 فقرة (6) أن الاعتداء على الأماكن التاريخية والثقــــافية والدينية هي من قبيل جـرائم الحرب، حيث نصت على أن حالات الخرق الخطيرة من قبل إسرائيل لأحكام اتفاقية جنيف هي جرائم حرب وإهانة للإنسانية.
الأهم من ذلك يبدو على المستوى السياسي لهذه الإقتحامات المتكررة التي يبدو أنها تصب في مجرى مشروع بناء ما يسميه الإسرائيليون “المدينة اليهودية المقدسة” حيث يهدفون إلى تقسيم المسجد الأقصى وتثبيت “الأحقية اليهودية” فيه كأمر واقع، مستثمرين بعض الرؤى السياسية الدولية لمستقبل مدينة القدس بحيث هناك فكرة رائجة الآن خاصة في الاوساط الأمريكية تقوم على رؤية المدينة المتعددة او العاصمة الدينية المفتوحة لجميع الأديان.
يبدو أن اقتحامات المسجد الأقصى تأتي بعد أن فشلت الادعاءات المؤدلجة صهيونيا من إثبات وجود الهيكل تحت المسجد الأقصى بعد ما يزيد على مئة وخمسين سنة من الحفريات تحت وحول المسجد ومحيطه، فالبعثات العلمية أثبتت فشل كل محاولات البحث عن آثار تمت لما يسمونه الهيكل بصلة، لذلك فهم الآن في مرحلة بناء وخلق ما يسمونه “أورشليم المقدسة” من خلال مسارين: الاول تثبيت حق اليهود بالصلاة في جبل الهيكل كما يسمونه، والثاني خلق آثار لاورشليم المقدسة على هذا الجبل، ومن هنا نقرأ الاقتحامات والتغولات غير المأذونة إلا من سلطات الاحتلال المتواطئة تماما، فهؤلاء المقتحمون هم طليعة تنفيذ المشروع السياسي البغيض بمحاولاتهم الاستفزازية تعميق الكراهية من خلال وضع أقدام لهم هناك لعلهم يفلحون في خلق نظير لمحاولتهم في الحرم الإبراهيمي الشريف الذي على ما يبدو لا تتوقف فكرة إعلان ضمه للتراث اليهودي فحسب بل على تسجيله على لائحة التراث العالمي ضمن المواقع التابعة للدولة العبرية في اليونسكو، وأكثر من ذلك فإن الأجواء باتت مهيئة لإشعال الحرب الدينية في المنطقة، فالسياق العام للصراع يؤكد ذلك خاصة بعد إكمال ما يسمونه كنيس الخراب في القدس الشرقية.

كاتب من الأردن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى