المجنون … 1
لم يكن الأمر حلما ، وليس تخيلا ، ها أنا الآن امسك نفسي ، أضغط بقوة على لفافة التبغ ، وأمتصها إلى حد الثمالة . أحيانا قليلة أتبخر في مسالك غريبة ، أسافر إلى مدائن بعيدة … مجرد كتاب معطر بالبخور في زاوية متحف هندي ، أو قارورة نبيذ اسكتلندية معتقة تحت شجرة وحيدة ، وربما لهفة عاشقة لندنية في انتظار موعد مضى . في بعض “القلائل” أسامر غسان كنفاني ، ويفتح صدره ، يقول أشياء عن غادة ، يعترف ويبكي ، ويقسم علي أغلظ الإيمان أن أخرس ، يفرك أصابعه ، ويتنهد ، ويهمس لي : قتلتني الخيانة .
أعترف لكم أنا أنا ، فارقني الحلم ، واقعي ، أصدق كل ما يقال ، وما زلت أحبها ، وأظنها تعشقني . لم أغادر ثيابي ، وحاجاتي البيولوجية تشغلني طول الوقت ، أذرع زماني ، وأعلق أشيائي في الأمكنة ، أفقدها أو لا أفقدها سيان ، وأعرف أن أركب جملة ، كأن أقول : لست أحلم . ما يزعجني أن كمية جنوني زادت ، يقولها الجميع ، أقسم بالله لم أشترها ، الكميات في السوق متوافرة ، يوم الجمعة امتلأت البسطات بكميات عجيبة ، والجميع يشتري ، أنا فقير ، كنت أنظر بحسرة ، وأتمنى كمية وافرة .
ما يزعجني مرة أخرى جاري أبو العبد ، يناديني بالمجنون ، ويذكرني بمراسم موت الحبيبة . كيف رفضت العريس الجديد ، سيارته ، وشقته ، وفكرة اغتصابها . “أصرت عليك ، كل شيء نصيب ، ولكنها ماتت يا مجنون” . غادرت يوم أن رفضت سلطة زائفة ، توقعت منك أن تكون رجلا ، أن تتبعها ، ولكنك ظللت تقشع ضباب العمر ، تنادم عتبات الشوارع بلحيتك الكثة ، وعمرك الضائع .