المجتمع النموذج / د . هاشم غرايبة

المجتمع النموذج
في ظل القلق على نجاح فكرة المجتمع المبني على مبادئ الإسلام سألني أحد الأصدقاء الفضلاء الإجابة على جملة من التساؤلات تدور في خلده ، ولا شك أنها تشغل بال كثيرين : ” هل الاسلام ضروره لبناء المجتمع النموذج(مقارنه بين اخلاقنا بالمجمل واخلاق كم لا يؤمن بالله في اليابان والسويد مثلا …هل حقا قامت في تاريخنا دوله تمثل الاسلام النقي منذ هزيمة علي امام معاويه(حيث آلت الأمور لبني عبد شمس)…..الفشل الاخلاقي المزمن في امتنا(كمجاميع و ليس أفراد) وبعد مرور ١٤٠٠ لم يستطع الدين للاسف من اصلاحه بالماضي كيف لي ان اوءمن انه قادر على اصلاحه….”
سأحاول الإجابة بشمولية بهدف الإختصار .
لم يتوقف البشر عن البحث عن الصورة المثلى للمجتمع الإنساني ، اتفق المفكرون مبكرا على أن المنظور الإقتصادي هو الأساس ، وان تبادل المصالح والتعاون هما مبرر نشوء المجتمعات وبالتالي فالفشل في تأسيس قاعدة عادلة تكفل مصالح الجميع هي علة سقوط النظام المجتمعي .
يمكن تلخيص نتائج هذه الجهود في صياغة شكلين رئيسين هما : الرأسمالي والإشتراكي ، لكن أيا منهما لم يوصل المجتمع في التطبيق الى المتطلب المبتغى ، فالرأسمالي قد أتاح تغول ذوي النفوذ المالي والسياسي ، وفشلت الدساتير في حفظ حقوق الأغلبية المظلومة فتباينت الطبقات وتباعدت مداخيلها ، وأما النموذج الإشتراكي المعتمد على تحكم النظام السياسي بالأدوات الإقتصادية بهدف تحقيق العدالة المجتمعية ، فقد فشل إقتصاديا بسبب غياب الحوافز الذاتية لأنه يعتمد على الإلتزام الفردي بمبادئ مثالية غير واقعية ، لذلك فقد انهار خلال سبعين عاما من نشوئه وتحول الى الرأسمالي .
النموذج الإسلامي مختلف عن الإثنين تماما، هو لم يأتِ كبديل، وإنما هو خيار أصيل كونه صادر عن عارف بخفايا النفس البشرية، خبير بمتطلباتها، وهو ليس فكرا تجريبيا يتم انتقاء عناصر محددة منه وترك أخرى ، بل هو نظام متكامل لا يجزيء بعضه عن كله .
كانت الفكرة هي بناء المجتمع النموذج ( دولة المدينة )، ليكون مثالا تطبيقيا يحتذى ، بعد وفاة النبي ( ص ) تعرضت التجربة لهزة عنيفة، فعشرة أعوام لم تكن كافية لترسيخ المناعة ضد النزعات الموروثة، فكانت حادثة السقيفة أول امتحان نجح به تلامذة المعلم النبي ( ص )، لكن حادثة مقتل عثمان كانت الإمتحان الذي فشلت دولة المدينة من تجاوزه، وكان السبب لا يعود الى قلة الإيمان بل فشلا إداريا في حل الأزمة، كان الأمر بحاجة الى مثل حزم أبي بكر ولم يكن بحاجة الى إقناعات فقهية .
من ذلك نستنتج أن أهم العوامل كان غياب القيادة الحكيمة الحازمة، وهذا مبني على مبدأ ” إن الله ليدع في السلطان ما لا يدع في القرآن ” .
من هنا كان استئثار معاوية بالسلطة، ومع كونه مخالفا للمباديء الإسلامية في اختيار الحاكم، فقد تقبله البعض على مضض أملا في الحاكم الحازم الذي يلم شتات الأمة المترامية الأطراف خوفا من تمزقها ورجوع الأمم التي دخلت في الإسلام حديثا عن الدين، لكن مجيء يزيد بالوراثة وقيامه بالجريمة الأكبر في تاريخنا والتي أدت الى تمزق لم تتوقف تداعياته الى اليوم ، أنهى مبدأ الإلتزام بالنموذج المدني الراشدي .
لا يمكن لأحد أن يزعم أن الدولة الأموية والعباسية وما تلاهما كانت تمثل الدولة الإسلامية الحقيقية، بل هي وارثة لها وبصورة مغايرة عن النموذج الأساسي، وبالتالي لم يكن المجتمع إسلاميا كما يتطلبه الدين .
السبب كان في سيطرة السياسة على الفقه، وتمكن السلطة من توظيف الإجتهاد لخدمتها .
السؤال كيف نأمل إذاً في تحرير الدين من ذلك ونحن في أقسى درجات الإنهزام ؟
الجواب باختصار: باجتراح إعادة نهضة الأمة من جديد وببرنامج من أربع خطوات :
أولا : يكون في تحررنا من قيود التطبيق الإستنساخي، الذي يعني استيراد الصورة من الماضي بكافة مفرداتها وإنزالها كما وردت عبر الروايات التاريخية من غير التدقيق في عدم التطابق الزماني والظرفي والموضوعي، فذلك سيفشل التجربة بلا شك .
وثانيا : الإنفتاح العقلي البحثي على مشكلات الأمة الراهنة والتحديات المتعلقة بما تطور من مفاهيم عصرية، والتي بعد تحديد أولوياتها ومتطلبات تحقيق تلك الأولويات ننتقل الى :
ثالثا : فتح باب الإجتهاد لفئة من المفكرين الذين عمر الإيمان قلوبهم وفتح تعمقهم في الفكر الإسلامي عقولهم لوضع المعالم النظرية على طريق النهضة والآليات العملية للتنفيذ .
رابعا : خلال ذلك تكون قد تمت التعبئة الفكرية وإحياء الآمال، واستنهاض همة جماهير الأمة للإنطلاق بالنهضة .
عندما تعود الأمة الى مكانتها القيادية بين الأمم ستكون قد تجاوزت المخاض العسير فباتت أقوى وإلى نموذج دولة المدينة ومنهاج الله أقرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى