لماذا قلق الغرب من التقارب بين أنقرة وموسكو؟

سواليف

أمام تصاعد التوتر الذي يكدّر صفو العلاقات التركية الغربية، شهدت مدينة سانت بطرسبرغ الثلاثاء 9 أغسطس/آب 2016، لقاء الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان، حيث تعهّد الاثنان بإعادة ترميم علاقاتهما التي انقطعت أواصرها طيلة 9 أشهر سادها الجفاء المعلن.

مع أن لقاء الثلاثاء لم يثمر أكثر من عهود الصداقة ووعود التعاون إلا أن رمزية اللقاء الذي جمع بين عدوين لدودين في الماضي وأجلسهما سوية في محادثة ودية، قرع نواقيس الخطر في العواصم الغربية، فإلى جانب كونها دولة عضواً في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لتركيا دور حساس ومهم في مساعي أوروبا لوقف تدفق اللاجئين من سوريا وأفغانستان، بحسب تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الثلاثاء 9 أغسطس/آب 2016.

المشاكل بين أنقرة واشنطن كانت قد تفاقمت مؤخراً، خاصة أن الطرفين لطالما اختلفا على الدعم الذي تقدمه أميركا للأكراد في سوريا والعراق. ففي تركيا أخذت مشاعر العداوة تجاه أميركا تتصاعد وسط اتهامات للولايات المتحدة بالضلوع في الانقلاب التركي الفاشل ووسط استياء عام من انتقادات البيت الأبيض لحملة الملاحقات التي شنتها تركيا لتعقّب المتورطين، والتي يصفها البيت الأبيض بأنها حملة “قمعية”.

تلكّوء أميركا في تسليم فتح الله غولن

استشاط المسؤولون الأتراك غضباً من تلكوء الرئيس الأميركي باراك أوباما في تسليم فتح الله غولن رجل الدين، الذي يعيش في ولاية بنسلفانيا والذي يرى فيه أردوغان غريمَه المحرّض على محاولة الانقلاب.

تقرير نيويورك تايمز ذكر أنه بالنسبة لبوتين الذي لا يكتم رغبته بضعضعة الناتو وإضعاف الوحدة الأوروبية، فإن الفرصة التي واتته لبناء علاقات أقوى مع أردوغان، كانت بلا شك مرضية بشكل كبير وفرصة للدفاع عن قراره بالتدخل العسكري في سوريا.

لم يتنبّأ أحدٌ بعودة العلاقات سريعاً

لم يتنبأ أحد بتغير جذري في العلاقات، وأضعف الإيمان أن التغير لن يتم فوراً على الأقل. فتركيا وروسيا تقفان على طرفي نقيض فيما يتعلق بأطراف النزاع السوري، كما أن الطرفين منذ شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي يتراشقان بالملاسنات النارية منذ أسقطت تركيا طائرة روسية، قالت أنها اخترقت المجال الجوي التركي المحاذي للحدود السورية.

وكانت تلك بداية الجفاء والقطيعة، إذ بدأ بوتين يكيل الاتهامات لأردوغان بأنه طعنه في الظهر وطالبه باعتذار رفض أردوغان تقديمه.

اكفهرت موسكو، فعمدت لحظر كافة الواردات التركية من فواكه وخُضراوات، كما منعت توافد ملايين السياح الروس على تركيا. مبيعات الغاز الروسي لتركيا لم تتوقف، ولكن بوتين قال إن حجم التجارة السنوية بين البلدين والذي يبلغ 30 مليار دولار تراجع وانخفض بنسبة 43%.

من بطرسبرغ وفي مؤتمر صحفي مشترك ومتلفز قال بوتين: “صحيحٌ أننا عشنا لحظات حرجة تعقدت فيها العلاقات ما بين بلدينا، إلا أننا جميعنا نرغب، ونشعر أن أصدقاءنا الأتراك يرغبون مثلنا، بتخطي تلك التعقيدات وتجاوزها”.

فأردوغان وجه هذا الصيف رسالة خطية في شهر يونيو/حزيران قدم فيها أسفه لبوتين الذي كان الأخير طالب به عن إسقاط طائرة بلاده. والآن بعدما تم ذلك بات بالإمكان الشروع في تطبيع العلاقات.

مساعي التطبيع كانت قد تسارعت خطاها بعد محاولة الانقلاب التركية في 15 يوليو/حزيران، حيث كان بوتين أول رئيس يسارع لتقديم دعمه لتركيا، وهو ما لقي التقدير من أردوغان الذي قال في المؤتمر الصحفي “لقد كان للأمر أهمية كبيرة من الناحية المعنوية، هذا الدعم النفسي”.

أردوغان يسعى للربح

من هنا فإن أي اتفاقات بين البلدين مستقبلاً قد تحمل تداعيات هامة للشرق الأوسط وأوروبا؛ فأردوغان على الأرجح يأمل أن يستغل رجوع المياه إلى مجاريها مع روسيا للضغط على أوروبا بالتوصل لاتفاق أفضل بشأن اللاجئين. أما القادة الأوروبيون من جهتهم فقد انضموا إلى جوقة الولايات المتحدة في نقدهم لعمليات الاعتقالات الواسعة التي تلت الانقلاب الفاشل.

كذلك إن في التقارب مع روسيا أنباء لا تبشر الناتو بالخير، بل ستسبب له أرقاً سيسر له بوتين، ذلك لأن هدف موسكو هو جر تركيا لتدور في فلكها وتجذبها إلى منظمات التجارة والأمن التي ترعاها وتدعمها روسيا في آسيا؛ إلا أن هذا التحول لا يتوقع حدوثه في القريب العاجل.

يقول ألكسندر فاسيلييف الخبير في العلاقات الروسية التركية في معهد الدراسات الشرقية بموسكو: “قد يستخدم أردوغان روسيا كورقة رابحة في يده على طاولة المفاوضات مع الغرب، فهدفه الأكبر هو الغرب لا روسيا”.

البيت الأبيض يراقب بصمت

من جهته راقب البيت الأبيض عودة الدفء إلى العلاقات التركية الروسية، لكن دون أن يعبرعلناً عن أي قلق أو انزعاج، فيوم الثلاثاء لزم مسؤولو الخارجية الأميركية إرجاع كافة التساؤلات عن لقاء الرئيسين إلى الحكومة التركية، كما عبروا عن أن اللقاء في حد ذاته لا يغير أياً من حسابات أميركا في الشرق الأوسط أو في أوروبا.

فقد قالت إليزابث ترادو المتحدثة باسم الخارجية الأميركية: “لا نرى الأمر وكأنه لعبة محصلتها صفر” في إشارة إلى أن أفراح روسيا وتركيا لا ترى فيها أميركا أتراحاً لها، بل أشارت ترادو إلى أن تركيا وروسيا كلتاهما دولة عضو في التحالف الأميركي ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، وكلتاهما منخرطتان في الجهود الرامية لإنهاء حرب سوريا “فلدينا الكثير من الأهداف والمصالح المشتركة هناك. ولا أعتقد أن المسألة على الإطلاق تنذر بإضعاف علاقاتنا بتركيا من بعد هذا التقارب”.

أميركا وغولن

كذلك قالت ترادو أن لا جديد لديها بخصوص الطلب التركي لتسليم غولن من الولايات المتحدة، والذي هو “إجراء قانوني ذو خطوات” وضع المسؤولين الأميريكيين على اتصال مباشر مع السلطات التركية بشأنه وقالت ترادو إن الإدارة الأميركية تشعر بأن الخطاب المعادي لأميركا “غير مُجدٍ” لعلاقة الولايات المتحدة بتركيا “فنحن نعتقد أن علاقاتنا وشراكتنا وصداقتنا مع تركيا قوية.”

وماذا عن سوريا؟

أما فيما يدور بين تركيا وروسيا فتظل سوريا خط صدعٍ رئيسي رغم كافة التعهدات بالتعاون في هذا الشأن، فبوتين أبدى ملاحظة قال فيها إن آراء الطرفين “لا تتفق دوماً” فيما يتعلق بجارة تركيا الجنوبية.

أردوغان من جهته يقف ضد الرئيس السوري بشار الأسد ويصر على تنحيه عن السلطة قبل البدء بأي مفاوضات سلام؛ في حين أن روسيا لطالما كانت حليفة الأسد، وقد تدخلت مع إيران في الصراع السوري لدعم موقفه.

مع ذلك أشار الكرملين يوم الثلاثاء أنه باق في سوريا، فبوتين طلب من البرلمان الروسي الموافقة على تمديد نشر القوات الجوية الروسية في قاعدة حميميم الجوية بالقرب من اللاذقية السورية والتي اتخذت منها قاعدة لطيرانها تنفذ منها طلعاتها الجوية منذ ما يقارب العام دعماً للأسد. وعملياً تعتبر موافقة البرلمان في جيبه أساساً.

يقول ألكسندر غولتس المحلل العسكري الروسي: “هذا إشارة إلى أن روسيا جاءت إلى سوريا كي تبقى هناك فترة طويلة جداً، وهذا يعني أنها ستدعم الأسد وأنها مستعدة لتربط نفسها بنظام متورط بحرب دامية أهلية”.

روسيا ترغب أن تغلق تركيا حدودها وتمنع سيل المقاتلين والأسلحة من التسلل والعبور إلى أيدي المسلحين، كما ترغب أن تتراجع تركيا وتعدل عن مطلبها في رحيل الأسد. أما أنقرة فتود أن تتوقف موسكو عن قصف حلفائها المسلحين وأن تخفض دعمها للأكراد وتتوقف عن قصف المدنيين، ما يدفع بهم للتوافد على تركيا أسراباً من اللاجئين.

إغلاق مكتب الكرد بموسكو

في حركة لعلها تعبير عن حسن النوايا أغلق في موسكو الأحد مكتب يمثل الوجود الكردي، إلا أن الممثلين المحليين قالوا إن سبب إغلاقه تكاليف إيجار المكتب لا أسباب سياسية.

مشاريع الطاقة

وكانت مشاريع كثيرة قد توقفت أثناء فترة الجفاء بين البلدين، مثل مشروع أنبوب الغاز Turkish Stream “السيل التركي” الذي ينقل الغاز الروسي إلى أوروبا، بالإضافة إلى محطة الطاقة النووية Akkuyu “أق كويو” والتي تبنيها روسيا جنوب تركيا.

فقطاع الغاز الروسي ممثلاً بعملاقه شركة غازبروم الروسية الوطنية يتطلع لاستكمال العمل على خط الغاز التركي لأن كافة الطرق الأخرى المؤدية إلى أوروبا أغلقت، كما أن تركيا هي الأخرى تتشوق لتصبح نقطة لتوزيع الغاز.

يقول هنا فاسيلييف المحلل والمراقب: “أرى أن مصالح غازبروم وشركات الطاقة هي حجر الأساس فيما يجري”.

يوم الثلاثاء قال الرئيسان أنهما ينويان بدء كل هذا من جديد، حيث جدد أردوغان عهده الذي سبق أزمة البلدين

برفع حجم التجارة السنوية بينهما إلى 100 مليار دولار، قائلاً في المؤتمر الصحفي “البلدان كلاهما عازمان على عودة علاقاتهما لما كانت عليه قبل الأزمة.”

وقال بوتين أن أردوغان تعهد بمنح مشروع محطة الطاقة النووية “أق كويو” مكانة “الاستثمار الاستراتيجي” بإعفائه من الضرائب ومساعدته له لحصد مزايا أخرى.

هذا ووافقت روسيا على رفع عقوباتها التي منعت استيراد البضائع التركية وأوقفت الرحلات السياحية الروسية إلى تركيا والتي تقدر بملايين السياح.

يأتي هذا كله بعدما كان بوتين حتى شهر مايو/أيار لا يتحدث عن تركيا عموماً أو أردوغان خصوصاً إلا واصفاً إياهما بـ”التعقيدات” كما كان التلفزيون الروسي الرسمي يشير لتركيا ورئيسها بأنهما عدو روسيا الأول.

أما وقد عادت المياه إلى مجاريها ظاهرياً خلال المحادثات مع أردوغان التي عبر فيها الطرفان عن أن ما فات قد مات، فقد ألقت روسيا تلميحاً خفياً جداً يشي بأن تطبيع العلاقات ليس كاملاً تماماً وأن جرح الماضي ترك أثراً.

من المعروف أن تركيا واليونان غريمتان تقليديتان، فلاحظت وكالة الأنباء الروسية أن بوتين استقبل نظيره التركي في قصر قيصري مرمم على أطراف سانت بطرسبرغ، وأن المضيف التقى بضيفه في غرفة الاستقبال اليونانية.

-هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة New York Times الأميركية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى