#العطارات لن تكون الأخيرة / د. #منذر_الحوارات
أعقبت فترة الربيع العربي موجة هستيرية للحصول على مصادر آمنة للطاقة في الأردن، فبعد الاعتداءات المتكررة على خط الغاز مع مصر وارتفاع أسعار النفط عالمياً ارتفعت تكلفة إنتاج الكهرباء، ولأن الحالة الشعبية كانت مزدحمة بالاحتجاجات اليومية تعبيراً عن الغضب من السياسيات الحكومية، لذلك ركزت الحكومات على صناعة إنجازات بأسرع وقت دون دراستها على الوجه الأكمل، وفي غمرة هذه المعمعة يمكن لمُتخذ القرار أن يُسقط الحسابات الإستراتيجية، أو يقوم بعملية حساب خاطئة للاحتياجات المستقبلية، أو أن يتعرض للخداع من الأطراف المستثمرة أو لتصفية حسابات أو أن يسقط هو نفسه في حلقة الفساد.
ولأن مشاريع الطاقة الوطنية تأخذ البعد الإستراتيجي لذلك فإن حسابها لا يخضع لمفهوم الربح والخسارة الفوري بشكل دائم بل تأخذ المنحى الأمني الإستراتيجي لأنها باختصار واحدة من وسائل الحرب بين الدول ويبدو أن المشروع أُخذ بهذا السياق، لكن المشاريع ذات الهدف نفسه والتي أُقيمت مزامنة له ودون حساب الجدوى الفعلية أفقدته الهدف الأساسي من إنشائه، فكانت مشاريع الطاقة الشمسية ومشاريع طاقة الرياح وكذلك خزان الغاز المُسال في العقبة، وكان خاتمة تلك المشاريع استيراد الغاز من دولة الاحتلال وهذا هو السبب الأول والرئيسي في تراجع أهمية العطارات، رافق كل ذلك انخفاض أسعار النفط العالمية مما حول مشروع العطارات من مُنقِد إلى مأزق حقيقي واكتشفت الحكومة بشكل مفاجئ أنها تعرضت للغبن في تحديد أسعار الكهرباء، ولجأت إلى التحكيم الدولي لإيقاف هذا الغبن.
لكن هل هو فعلاً غبن؟ وهل اللجوء إلى التحكيم كان الوسيلة الوحيدة؟ في حال كان كذلك فإن الحكومة تتهم جميع طواقمها المفاوضة والموقعة بالتقصير والتفريط بمصلحة البلد مما يوجب محاسبتهم، وتتهم كذلك واضعي إستراتيجيات الطاقة بسوء التقدير وغياب الأهلية وهؤلاء ربما بنوا حساباتهم على أن الأردن سيكون مزودا رئيسيا للدول العربية التي خربتها الحروب الأهلية، وهذا التصور أسقط من اعتباره أن قرار هذه الدول ليس مرهوناً بها وحدها فكل من العراق وسورية ولبنان يخضع لإكراهات داخلية وخارجية تجعل قراره الطاقوي مرهوناً لاعتبارات متعددة مما جعل الكهرباء المُصدرة لهذه الدول قليلة مما حدا بالحكومة أن تشتري الكهرباء دون استخدامها وهذه كارثة اقتصادية، ولسوء الطالع ترافق هذا الإخفاق مع بداية الحرب الباردة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين وتصاعد المخاوف الأميركية من أن تحل الصين مكانها اقتصادياً وبالتالي سياسياً وعسكرياً، لذلك بدأت خطة إستراتيجية تهدف الى إجهاض المشاريع الصينية في دول العالم المختلفة، ولأن الأردن يحظى بمكانة إستراتيجية بالنسبة لكلا الدولتين لذلك كان لزامًا عليه أن يتحمل نتائج تلك العلاقة المتوترة، فوجدنا الولايات المتحدة تضغط على الأردن لشراء الغاز من دولة الاحتلال للتقليل من أهمية العطارات، وكان لأميركا ما تريد، أما بالنسبة للصين فالأردن دولة مهمة في المنطقة وهي واسطة العقد في مشروع الحزام والطريق الإستراتيجي، لذلك لم تكن الصين لتفرط بالأردن بسهولة، لكن الذهاب إلى التحكيم مباشرة يبدو أنه حسم موقف الأردن وقطع كل الطرق معها، وأظهر أن الأردن انحاز مبكراً للجانب الأميركي وأسقط من حساباته النتائج الكارثية على الاقتصاد الوطني، والسؤال هل كان بالإمكان إيجاد معادلة وسط بين الموقفين؟ باعتقادي نعم.
يمكن إدراج إفشال في مشروع العطارات تحت مسميات عديدة، فهو قد يكون أياً مما ذُكر سابقاً، لكن أخطر ما يمكن أن يكون هو أنه قد يُعبر عن انقطاع الوصل بين الاقتصادي الطاقوي والسياسي مما أدى إلى غياب قراءة حقيقية للتأثير الفعلي لمثل هذا المشروع على العلاقة مع الحليف والداعم الأكبر (أميركا)، والسؤال هل طُلبَ منّا نسف المشروع أم تبرعنا من تلقاء أنفسنا؟ لا يوجد جواب على هذا السؤال، والاحتمال الآخر الأخطر هو أن يكون تدمير العطارات جزءا من تصفية حسابات داخلية بين أطراف متصارعة يدفع الأردن وشعبه ثمنها لكباشهم من جديد وهذه ذاتها كانت سبباً في إفشال مشاريع أخرى كثيرة في الماضي وستكون سبباً في إفشال مشاريع مستقبلية فالعطارات لن يكون الأخير بالنسبة لها، لأنها باختصار تعتبر أن مصالحها ووجودها فوق مصلحة الأردن ووجوده.
الغد