العدل أساس الملك / أ. د أنيس الخصاونة

العدل أساس الملك
الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة
استثارني كتاب جديد صدر للصديق الدكتور عثمان غنيم والذي أفرده للحديث عن الظلم وأسبابه وآثاره النفسية والإجتماعية والسياسية .وقد قررت أن اكتب عن هذا الموضوع المهم حيث أنني أثناء مجالستي للكثير من الأردنيين في ديوانياتهم ومقاهييهم ومراكز عملهم وفي سهراتهم ومآتمهم وأفراحهم وجامعاتهم ألاحظ بأن كلهم أوجلهم يروي لك قصة أو “قصص” من الظلم والحيف الكبير الذي لحق به من قبل السلطة من أعلى هرمها الى أدناه. بعض هؤلاء ضباط متقاعدون في الجيش، والأمن، والمخابرات العامة، والقضاء، والجامعات، ووزارات الخارجية والداخلية وغيرها. أما الظلم الذي يقع بحق كثير من الأردنيين في المؤسسات المستقلة فحدث ولا حرج وكأن مصطلح مستقلة عني به من قبل المشرع إطلاق يد المسؤولين في التنكيل في الموظفين والعاملين في مؤسساتنا “المستغلة” وليست المستقلة.
قصة الأردنيين مع الجور والظلم يرويها لك أي مواطن تجده ويثق بك ويطمئن الى أنك لست رجل عسس أو مخابرات يمكن أن تستخدم ما يقوله لك ضده وضد مصالحه يوما ما. استمع لهؤلاء المواطنين فإنه لديهم قصص مثيرة وأليمة كيف هضمت حقوقهم سواء كان عطاء رسي على مقاول أو متعهد محدد تواطأ معه مسئول معين، أو حق مهضوم في بعثة جامعية داخلية أو خارجية، أو ترفيع لموقع قيادي ، أو تعيين في وظيفة ذات امتيازات عالية ومعتبرة، او إحالة غير مبررة على التقاعد من أجل ترتيب أوضاع شخص معين ،أو مكافآت مالية مجزية لشخص لم يفعل شيئا ،أو سطو على حقوق فكرية أو إنجاز لشخص معين، أو تلفيق مكيدة أو تهمة غير صحيحة لشخص، أو تشويه سمعة شخصية معينة نظرا لعدم إعطائها الثقة للحكومة، أو تجاوز على حقوق الناس في تعيينات الملحقين والسفراء في وزارة الخارجية ،أو تحيز واضح لصالح أحد المترشحين لرئاسات الجامعات الرسمية أو تزوير الانتخابات النيابية لصالح مرشح سحيج من قسم “الألو” ، أو دعم حزب برداء إسلامي غير حقيقي نكاية بحزب آخر، وأمثلة أخرى لا يتسع المكان والمقام لذكرها. هذه القصص من الظلم وغيرها يمكن أن يرويها لك الآلاف من المواطنين ولكنهم أمام المسؤولين أو أجهزة الإعلام لا يملكون إلا كيل المديح الزائف للسلطة رغبة منهم في إنصاف بعيد المنال وإن حصل فهو يستغل من السلطة لتعظيم شأنها وإنسانيتها وعطفها على الناس المظلومين والبائسين دون التساؤل عن دور السلطة في التسبب في وقوع مثل هذا الظلم أصلا.
الظلم وعدم المساواة هما آفتين كبيرتين مهلكتين للحرث والنسل ومفجرتين للثورات أكثر من الفقر والبطالة ومن يستعرض تاريخ الحركات السياسية الثورية والتطورات السياسية العنيفة في معظم دول العالم وخصوصا النامي منها يجد بأن الظلم وعدم المساواة والإجحاف بحق المواطنين والتجبر فيهم هي عوامل ووقود الثورات في هذه المجتمعات. المواطنون يقبلون بالفقر وربما يقبل الفقر بهم اذا شعر هؤلاء أنهم متساوون حتى في الفقر وحتى في القسوة وحتى في العوز والبطالة ولكنهم يصبحون قنابل مؤقتة اذا شعروا بأن الظلم هو صديق الفقراء الذين يعيشون على هامش المجتمع وأن شرائح أخرى تتنعم بحقوق مزيفة وامتيازات وألقاب مصطنعة وأسماء هم اخترعوها .رحم الله ابن تيمبة الذي قال “إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة”. فهل من مدكر؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى