العار / ميس داغر

العار

تقدّم رَجَب بطلب للعمل في أحد المخابز في رام الله، فسأله صاحب المخبز: كيف إنجليزياتك؟
– درست للصف الرابع في مدرسة حكومية، كيف برأيك تكون إنجليزياتي؟
-\- أنت إذن لا تتحدث الإنجليزية بطلاقة؟
– مالي وللإنجليزية؟ أنا أريد العمل في الخبيز فحسب.
-\- أفهم من كلامك أنك تستهين بالعمل في الخبيز؟ لمعلوماتك، هذا العمل بالذات يتطلب مهارات عالية في الإنجليزية.
– ؟؟!!
-\- ألا ترى السيّاح الأجانب يذرعون المدينة جيئةً وذهابا. إننا معرضون في أي لحظة لاستقبال واحدٍ أو أكثر منهم، ماذا سنفعل بأمثالك وقتها؟ دفنكم حلال.
– يا رجل! مالي وللسياح، أنا لا أريد الوقوف عند طاولة المحاسبة، بل أود العمل في تعبئة الخبز من الماكنة.
-\- وهذا أخطر، لمعلوماتك، السياح يحبون النظر إلى مسرب الخبز الخارج من الماكنة.
– لينظروا كيفما يحبون، ما داموا لا يتكلمون.
-\- أخطأت يا شاطر، إنّ السياح الأجانب عندما ينظرون فإنهم في العادة يتكلمون. فإن تحدثوا معك ولم تفهم كلامهم، أين أواري فضيحتي حينها؟
– أعمل في الداخل إذن، في العجين.
-\- لكنّ السياح الأجانب كثيراً ما تخطر ببالهم مشاهدة عملية العجين.
– أعجن وأنا صامت، فإن كلّموني تقول لهم إنني لا أرى ولا أسمع.
-\- هذه فكرة جيدة، لكن لو صدف أنْ دخل إليك أحدهم على حين غفلة، فعلمَ أنّ حواسك غير معطّلة، أين أذهب بعاري حينها؟
– شغّلني في عتل أكياس الطحين إذن.
-\- وهذا أدهى وأمرّ. ألا تعلم أنّ السياح الأجانب مفتونون في مشاهدة العتّالين؟ ماذا لو سألك أحدهم عن شعورك أثناء العتل؟
– تُخبره أنّ شعوري *راء.
-\- اسمع يا ابني، قد أعطف عليك و أشغّلك عندي، لكن ماذا لو علم المجلس الوطني الأعلى للخبيز بفعلتي هذه؟ قد يشطب اسم هذا المخبز من قائمته. أنت تعلم، المجلس الوطني يعتمد في ميزانيته على التمويل الأجنبي.
– لكن ماذا عن العمّال لديك؟ كيف تشغّلهم إذن؟
-\- عمّالي جميعاً يتقنون الإنجليزية بطلاقة. كلهم خرّيجو مدارس خاصة.
– ؟؟!!
-\- أترى الإثنين عند الماكنة، لقد رسبا في مدارس الفرندز بجدارة. العجّان في الداخل طُرد العام الفائت طرد النبلاء من اللوثرية. الواقف عند طاولة المحاسبة، وهذا أكثر عامل أعتزّ به، خرّيج المدرسة الأنجليكانية في فلوريدا، لكنّه مطلوب للشرطة الفيدرالية، فشرّفنا بالعمل هنا. أمّا العتّال، فقد درس في مدارس المستقبل، وأصدقك القول إنني غير مقتنع تماماً بإنجليزياته، لكنني أردت أن أكسب فيه أجرا.
– وما ذنبي في تعليم الحكومة؟! المدرسة الوحيدة في خربة إم اللبن حكومية، وتأكد أنها لو كانت هناك مدرسة أنجليكانية في القرية لألحقني والدي بها.
-\- معك حق في هذه، أساس المشكلة هو في التعليم الحكومي.
– لكنّ تسعين بالمئة من أبناء بلادنا درسوا في الحكومة، ماذا يفعل أرباب العمل بكل هؤلاء؟!
-\- أبناء بلادنا الذين درسوا في الحكومة؟! ماذا بإمكاني أن أقول عنهم! هؤلاء الذين سيجلبون لنا العار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى