الطواغيت لايقرأون / د. هاشم غرايبه

الطواغيت لايقرأون

من سوء طالع الطغاة في أمتنا، أن الله لم يهدهم، إذ لوعلم فيهم خيرا لهداهم، لكنه أضل أعمالهم فهم جميعا لا يؤمنون بالله، ولأنهم لا يقرأون القرآن فلا يعرفون سنن الله الكونية، لذلك يعيشون وهم استعلاء القوة، ويعتقدون أن المقهورين لا ناصر لهم.
ومن حسن حظ الشعوب أن الطواغيت لا يقرأون التاريخ، ولا يصدقون المقولة الثابتة الباقية عل مر الحقب، بأن الشعوب تبقى والطواغيت يزولون .
كل عصر يظهر فُجّارٌ يسودون زمنا، وينجحون في فرض وجودهم حقبة تطول أو تقصر بأمر الله، يعلو شأنهم حتى ليكادوا يصدقوا أنهم مخلدون، وأن العدالة الإلهية غفلت عنهم، لكنهم وفي ذروة سكرتهم بمجدهم، يأخذهم الله أخذة رابية فإذا هم زائلون…”وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا” [مريم:98].
كان ” النمرود” متجبرا في الأرض يحكم شمال العراق وشرق تركيا، فرض نفسه إلها، ورأى في المنام أنه سيولد طفل يزول على يديه ملكه، فأمر بقتل كل المواليد الجدد وفي ظنه أنه سيمنع القدر المحتوم، وجاء “ابراهيم” وترعرع وكبر تحت ناظريه لكي يمحو الله على يديه كل ما بناه، ثم ليصبح أبا لأنبياء التوحيد الذين أسسوا للدين برسالاتهم المتوالية إلى أن استكمل برسالة النبي العربي صلى الله عليه وسلم الختامية .
وكذلك حدث مع فرعون، الذي أنذره الله بأن ملكه سيزول على يد أحد من استعبدهم من بني إسرائيل، في تحد لذلك الجبروت الطاغي: أنه ومع علمه المسبق بذلك، فلن يقدر على منع حدوثه، بل ورغم قراره بقتل كل المواليد الذكور من بني إسرائيل وحتى قتل القابلة التي لا تبلغ عن الولادة، نجا المولود الموعود، وتربّى ذلك الطفل “موسى” على يديه لكي يكون له حزَنَاً حين يكبر ويحين الأوان .
ما زال الطغاة يكابرون ويكذبون بالحتمية التي قضى بها الله، وكلما جاء زمان أحدهم، علا في الأرض واستكبر وقال: أنا مختلف ولن يقدر عليّ أحد، لكن مصيره لن يختلف عمن سبقوه، والأغبياء فقط هم الذين يعتقدون أنها أساطير الأولين، لكنها التحدي الإلهي للإنسان الظالم، والتجسيد الحقيقي لقراره الأزلي بأن كلمة الله ستظل هي العليا.
طغاة أمتنا ينتمون الى فئة المنافقين، الذين يتظاهرون بأنهم مسلمون، لكنهم في قرارة أنفسهم يبطنون العداوة لله ويحاربون دينه ومن اتبعه، فلا يقفون في صلاة خلف الإمام إلا بوجود الكاميرات وفي مناسبة دينية، هل رأيت أحدهم يؤم المصلين يوماً، أو يخطب الجمعة مرة واحدة!؟..أليس هو الزعيم ومن حقه أن يكون هو الخطيب الموجِّه وليس سامع الخطبة؟.
هذا لم يحدث مرة واحدة..ولا يمكن توقع حدوثه، لأنه سيكشف نفاقهم، فهم لا يعرفون أداء الصلاة، ولا يحفظون من القرآن شيئا، إذ يتبعون الإمام في حركاته.
خطؤهم الأكبر أنهم يعتقدون أنهم بنجاحهم بخداع الناس سيخدعون الله! “إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا قَلِيلا” [النساء:142].
الرئيس العربي الوحيد الذي كان يصلي، فكان يؤم الناس في صلاة الفجر، ويخطب فيهم، من غير كاميرات ولا نقل مباشر، قتلوه، فلم يبق من بعده إلا المنافقون.
ستظل سُنةُ الله تسرى على البشر، حكاما ومحكومين، وسيظل الظالمون يعتقدون أن الله بإمهاله لهم غافلا عما يعملون، لكنه بقدر بغيهم يسمح لهم بالعلو في الأرض، لكي تكون سقطتهم مميته، فسقوط من يتعثر في سيره لايكون قاتلا كمن يسقط من سامق.
وسيظل يظهر نماريد وفراعنة جدد، لكن مصيرهم لن يختلف عمن سبقهم .. ذهب مجدهم وأفل نجمهم ولم يبق منهم إلا تصاوير في المتاحف، وقصص ترويها الكتب ..!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى