
نريد وطناً وخبزاً وكرامة
ما جرى خلال الفترةِ الماضيّة من إضرابٍ للمعلمين كان شكلاً من أشكال التعبير الشعبيّ لنيلِ الحقوق بوسائل ديمقراطيّة سلميّة كفلها الدستور، لكن المفاجئة كانت عدم التزام الحكومة بالدستور والقوانين التي تنظم الحياة السياسيّة، أو بالقسم الذي أقسموه وعاهدوا الله بأن يخدموا الأُمة بأمانة وإخلاص! فبدلاً من اللجوء للحوار مع المعلمين منذ الساعات الأولى والوصول معهم لحلٍ يرضيهم، لجاؤا لأساليبٍ من مخلفات العهد العثماني متمثلةً بالقبضة الأمنية وإثارة الفتن والتهديد والوعيد وزج المندسين والسحيجة..الخ! هذه الذهنية الإدارية بالتعامل مع الأزمات عفا عليها الزمن وهي بمضمونها وشكلها لا تصلح لإدارة الدولة.. عدا عن فشلها في تحقيق أي إنجازٍ يُسجل لها.
هذه الأزمة فضحت وبشكلٍ فجّ حجم الفساد الذي ينهش بجسم الوطن –فساد مالي وفساد إداري- فما تغنيّنا به خلال عقدين من الزمن من أجندةٍ وطنيّة ومن شعاراتٍ رنانة مثل الأردن أولاً، وما صادقنا عليه من أوراقٍ نقاشيّة ومؤتمراتٍ اقتصادية واتفاقيّاتٍ دوليّة لم يتجاوز مفعولها تلك القاعات التي عُقدت بداخلها الاجتماعات والندوات والمؤتمرات، ناهيك عن جوقة الإعلام والتطبيل لها! والنتيجة التي بات يعرفها الجميع هي أنَّ النتائج هي صفريّة بل دون الصفرية! فمن المسؤول عن هذا التردي وهذه الاخفاقات؟ المعلم الذي رفع صوته مطالباً بحقوقه المشروعة؟ أم تلك الحكومات التي أشبعتنا أوهامًا وأكاذيب؟ وأدخلتنا في محاور لا ناقة لنا فيها ولا جمل؟ كم من السنين سنعاني حتى نرمم ما أفسده العابثون بأمننا واستقرارنا وحتى نعيد علاقتنا مع دول الجوار الشقيقة إلى سابق عهدها؟ وتلك الدول التي راهنّا عليها، هاهي اليوم تدير لنا ظهرها تاركةً إيانا نئنّ تحت وطأة أزماتنا المالية والاقتصادية غير قادرين على توفير المبلغ الزهيد الذي يحقق للمعلمين مطالبهم!
لسان حال الشعب الأردني يقول اليوم: نريد وطناً نعيش فيه أحراراً..نعيش فيه بعزٍ وكرامة..نريد خبزاً من خير بلادنا..نريد أن نمشي فوق أي تراب وتحت أي سماء مرفوعي الرأس، هذه التطلعات لن يحققها أولئك الذين تسيدوا إدارة الدولة الأردنية ممن حازوا على الأرقام الوطنية وهم غرباء عن عادات وطبائع وسهول وبوادي وأرياف الأردن..ولن تحققها مجالس تشريعية مزورة ومزيفة، هذه التطلعات تحققها إرداة سياسية يأمر بها قائد الوطن –إرداة التغيير والبناء- تشكل لها إدارة كفؤة من أصحاب الخبرة والكفاءة والنزاهة -وهم كثر في طول البلاد وعرضها-، إدارة مُحبة ومُنتمية لهذا الوطن تأخذ على عاتقها إجراء التعديلات اللازمة على الدستور وتعمل على إعداد قانون انتخابيّ يُحقق الأهداف الوطنية من تشريعٍ ومراقبة ومحاسبة بعيداً عن التنفيع والارتزاق، لا قانون يُكرس الفساد ويجذره ويفتت المجتمع، إدارة تعمل على تعزيز واستقلال القضاء يفضي إلى سيادة القانون على كل من تطأ قدماه تراب الأردن أيًا كان.. ويُحقق العدالة وتكافؤ الفرص للجميع، إدارة تعمل على استقلال الأجهزة الرقابية لتكون العين الساهرة على المال العام، إدارة توكل لأجهزتنا الأمنية مهامها الوطنية وفي مقدمتها صيانة الدستور وتطبيق سيادة القانون وحماية الشعب وصون كرامته، لا ذراعًا لحكوماتٍ فاشلة.
الأردنيون وخلال الأزمة أثبتوا للقاصي والداني أنَّهم يستحقون العيش بعزٍ وكرامة من خلال حفاظهم على سلمية مطالبهم واحترامهم للقضاء وحفاظهم على الممتلكات العامة ولم يصدر عنهم ما يُسيء للوطن ونظامه، الأردنيون قادرون بمواردهم البشرية الكفؤة وخيرات بلادهم واعتماد التنمية القائمة على الإنتاج وتكاملهم الاقتصادي مع الأشقاء في دول الجوار والدول الصديقة إعادة بناء الوطن، إذا ما تهيأت لهم إرادة وإدارة التغيير والبيئة السياسيّة الديمقراطيّة لتداول السلطة والفصل الحقيقيّ للسلطات.