الشركة الوطنية بين الإخفاق والنجاح

الشركة الوطنية بين الإخفاق والنجاح
م. عبد الكريم أبو زنيمة

أُنشئت الشركة الوطنية للتدريب والتشغيل منتصف عام 2007 كشركة مساهمة خاصة غير ربحية بإدارة القوات المسلحة الأردنية وبالشراكة مع وزارة العمل والقطاع الخاص كمتطلب وطني لتدريب وتشغيل الأردنيين الباحثين عن عمل في المهن الإنشائية (أعمال البلاط ، الكسارة ، الدهان ، أعمال الجبص ، أعمال الحجر ، الطوبار وحديد التسليح ، الديكورات الحجرية وغيرها من المهن الإنشائية) وللأمانة فإن القوات المسلحة نفذت ما هو مطلوب منها تجاه هذه الشركة لإنجاحها، إلا أن إدارة الشركة في ذلك الوقت تسرعت كثيرًا ورفعت من سقف وعودها وصرحت بأنها ستدرب (10000) متدرب حتى نهاية عام 2007 وقبل أن تنشئ المشاغل الخاصة بها وهذا كان مستحيلاً بكل المعايير، ومن هنا بدأ الانحراف عن الهدف الرئيس لهذه الشركة وبدأ تغليب المصالح الشخصية على الأهداف الوطنية، فكان القرار الخاطئ الأول هو تفريغ (9) مراكز تدريب مهنية رئيسية من كل محتوياتها ومتدربيها والعاملين فيها وإعادة تخصيص كل مركز لتخصص واحد فقط حيث كان المركز الواحد منها يحوي ما لا يقل عن (30) تخصص، استغلال هذه المراكز لم يدم لأكثر من شهرين ونصف ومن ثم تمّ ترحيل مشاغل الشركة من هذه المراكز (9) إلى المشاغل الجديدة في منطقة خو، هذه العملية، تفريغ وترحيل كل تجهيزات ومعدات مراكز التدريب التسعة في الشمال والوسط والجنوب لاستغلالها لمدة (75) يومًا وإعادتها إلى ما كانت عليه مع إعادة البنية التحتية لها من جديد كلف مبلغ لا يقل عن (2) مليون دينار مباشر وغير مباشر في الوقت الذي لم تكن هناك حالة طوارئ مستعجلة وكان القرار الصائب في ذلك الوقت الانتظار حتى 1/9/2007 للبدء بانطلاق نشاط الشركة، القرار الخاطئ الثاني والذي ما زال مستمرًا حتى اليوم والذي نفى كل المبررات لتأسيس هذه الشركة هو: أنه عندما أحست إدارة الشركة استحالة تحقيق الرقم المعلن الذي وعدت بتدريبه وهو (10000) متدرب في الأعمال الإنشائية حتى نهاية العام 2007 انحرفت عن الهدف الرئيس، وباشرت بالتدريب على مهن ليست إنشائية -ويعج بها سوق العمل أصلاً- وهذه المهن هي مهن متعلقة بالأعمال الإنشائية مثل “الكهرباء ، التكييف والتبريد ، الحدادة ، الالمنيوم ،النجارة ، التمديدات الصحية”، وبما أن الشركة تمنح حوافز لمتدربيها فإن غالبية المتدربين الذين كانوا ملتحقين بمؤسسة التدريب المهني تسربوا منها والتحقوا بالشركة، باختصار أصبحت الشركة منافسة لمؤسسة التدريب المهني وتدرّب على نفس المهن ونفس البرامج لكن بكلفة تدريب عالية تصل إلى سبعة أضعاف عما هو في المؤسسة والذي يبلغ بحدود (800-900 دينار / متدرب سنويًا) هكذا حققت الشركة أرقامها المعلنة على حساب الهدف الوطني المتمثل بتدريب وتشغيل العمالة الوطنية المدربة على المهن الإنشائية تحديدًا في قطاع الإنشاءات.
بالرغم من الحملات الإعلامية التي صاحبت إنشاء الشركة والأعداد الغفيرة التي كانت تلتحق بالشركة معتقدةً بأنها ستلتحق بالقوات المسلحة، لكنها فشلت في تحقيق الهدف الوطني الذي أنشئت لأجله، هذه الأعداد سرعان ما تراجعت بعدما اتضح لها أنها لن تجنّد بالقوات المسلحة ومن التحق منهم بالشركة لاحقًا فقد اتجه معظمهم للتدرب على مهن غير إنشائية، كل خريجي الشركة منذ عام 2007 ولغاية اليوم لم يحدثوا أي تغير في سوق عمل قطاع الإنشاءات؛ فغالبية العاملين فيه هم من الوافدين، كما أننا لم نلحظ أي تغير إيجابي في نسب البطالة! فإذا ما افترضنا أن الشركة تدرب (10000) متدرب على المهن الإنشائية سنويًا ويلتحق (50%) منهم بسوق العمل، فهذا يعني أن هناك (70000) أردني مهني يعمل في المهن الإنشائية وهذا للأسف غير موجود على أرض الواقع ! كذلك لم تحدث الشركة أي تغير في مفاهيم ثقافة العمل بالرغم من وفرة المخصصات المالية لها.
اليوم وأمام التحديات التي نواجهها فأننا بأمس الحاجة إلى الشركة الوطنية ولكن بمفاهيم وفلسفة تدريب وتشغيل جديدة تتمثل بـ :
• مجلس إدارة غالبيته تتألف من ممثلي قطاع الإنشاءات وقطاع الزراعة من القطاعين العام والخاص والجهات ذات العلاقة.
• إدارة تنفيذية من القوات المسلحة الأردنية.
• اعتماد البرامج التدريبية للمهن الإنشائية فقط وإلغاء كل البرامج المرتبطة بها كأعمال الحدادة والنجارة والكهرباء وغيرها.
• استحداث برامج تدريبية جديدة تتلائم والاستراتيجية الزراعية للأعوام (2020 -2025) مثل المكننة الزراعية، تربية الأسمال، إدارة وتشغيل أنظمة الري، تصنيع المربيات، زراعة الفطر، وكل ما يتعلق بالزراعات ذات القيمة التسويقية والتصنيعية العالية.
• ربط التدريب بالتشغيل بالقطاعين العام والخاص أو بالتشغيل الذاتي.
• قاعدة بيانات بهذين القطاعين وبمخرجات التدريب.
آن الأوان لأن يكون هناك تكامل بين الأهداف الوطنية والبرامج التدريبية سيما ونحن نتحدث عن استراتيجية زراعية ، يجب أن يكون هناك ربط وتنسيق مع جهات أُخرى ذات علاقة مباشرة بإنجاح هذه الاستراتيجية كالشركة الوطنية ومؤسسة التدريب المهني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى