الشدقنة …

الشدقنة …
شبلي العجارمة

ظهر مرتجفاً مرتبکاً وکانت أسنانه تدق جرزة القمح رعبةً وليس برداً من مجرد ظهوره علی تلفاز القرية الذي لا زال أبيضاً وأسود فيما يخص المعنی والبنية الفکرية العميقة .
مسرح وساٸل التواصل الاجتماعي وما خلف جدرانه وفي دهاليز کواليسه أقلام مستعارة ومحابر مغشوشة وعقول لا زالت تعمل علی الفحم والحطب وتطورت أخيراً علی نظام الکاز , في الوقت الذي يكتب فيه کافکا رواية المسخ في القرن السادس عشر هناك هنا وفي عام 2020 أشخاص يبحثون عن الذات الفخارية التي تعوي فيها الريح ويتلوی في جنباتها الصدی قبل أن يجف صلصالها.
طبطب علی نفسه بنفسه فتدحرجت منه الهمزة المشوهة في کل قواعد کتابتها ولا يعرف متی يجلسها علی الکرسي أو متی تأت متطرفة أو متی تتسلق الألف أو تصطاف علی داٸرة الواو, بالنسبة لهمزة الوصل والقطع هي خرافة كما هي نظرية تمام حسان عن العامل النحوي في اللغة الذي يجلب الحرکة الإعرابية كسراً ونصبا وضما فاعتبرها تمام حسان النحوي خرافة ولا أهمية لها في اللغة بتاتاً ونادی بإلغاء نظرية العامل النحوي ,تمام حسان عالم وباحث لغوي دافع عن رأيه من خلال خبرته ولا يضيره أو يضيرنا إن اتفقنا معه أو اختلف معنا .
کثيراً ما يستعيض هذا المتشدق ببزته الرسمية أو بلقبه الۭمتواضع الذي لن يخلد ذکره کالجاحظ وسيبويه والمتنبي ,في مصطلح المتشدقن الإنجاز هو رساٸل الخاص من أيتام الخوف والمعرفة والانبهار بهذا المتشدقن ,ومقاييس نجاحه طلبات الصداقة وزحمة المعلقين والوافدين والواردين ورود الهيم علی حوضٍ لا يميزون زلاله من عکورته وراکضين نحو بيدره الذي لا يفرقون بين قشه وقمحه .
فواصل الحديث مع الأخر تکاد تکون محرمة لا يدع هٶلاء المتشدقون مجالاً لهز الرأس لملیء الفراغ ما بين شهيقه وزفيره أو حتی شفرة کلمة ترحيب أو اعجاب أو امتعاض وامتغاص من غثاثة حديثه.
الشدقنة علی جغرافية الوجه هي باطن ما تحت الخدود وکانت العرب تمتدح سعة الأشداق لأنها تساعد علی جهورية الصوت ,لکن الشدقنة في معترك الحاضر الثقافي هي التهريف بلا العرف أو کما يقال بالعامية ناط علی الحايل وعلی المعشر ,بمعنی المتشدقن شخص لا اختصاص له ولا أدنی فکرة يحمل في تطلعاته القاصرة ورٶاه الأقصر ,هو مبتلع ومبرمج کمطحنة الشراٸط تلتهم جميع أنواع الأقمشة فاخرها ورديٸها ولا تتمخض إلا عن غبار من بکراتها وکومة عشواٸية عاٸدة إلی بداية نسجها وخياطتها واستخلاصها بمعنی تخرج بصورة أعقد مما کانت عليه.
الشدقنة تفرض نفسها علی کل مشاهد صباحاتنا وصفحاتنا کما لها دعاة لها مروجين ولها جمهور ليس أفضل حال من المتشدقن.
المتشدقن زير فخار فارغ کلما أراد أحدهم الشرب منه مد يده ولا يرجع إلا بالقرقعة والماء النتن الأسن وربما انقطع خيط الکوب .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى