الرئيس موبوتو يفر من وطنه باحثا عن مأوى

الرئيس موبوتو يفر من وطنه باحثا عن مأوى
موسى العدوان

في حياة كل حاكم سياسي لحظة حاسمة، تضعه أمام خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يكون زعيما صالحا يحظي بمحبة شعبه ويخلد ذكره للأجيال اللاحقة في صفحة بيضاء، وإما إن يكون زعيما فاسدا يواجه مصيرا مأساويا يودي به إلى القتل، أو التشرد تائها بين أقطار العالم، يبحث عن مأوى يمضي به بقية حياته، ويسجله التاريخ في صفحة سوداء.

الرئيس الزائري موبوتو سيسي سيكو هو أحد الحكام الطغاة ( 1965 – 1997 )، الذي ضاقت به الأرض في أواخر حكمه، فلم يجد له مكانا يؤيه في وطنه، نتيجة لما ارتكبه من إساءات وقمع للسياسيين والنشطاء من أبناء شعبه، فألقى القبض عليهم وزجهم في غياهب السجون، ونهب أموال الشعب دون وجه حق، أو وازع من ضمير.

وزائير هي دولة في وسط أفريقيا، تبلغ مساحتها 2,345,000 كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها حوالي 81 مليون نسمة، وعاصمتها مدينة كنشاسا. استقلت عن الاستعمار البلجيكي في منتصف عام 1960، ثم جرت تسميتها فيما بعد بِ ( جمهورية الكونغو الديمقراطية ).

في أواخر عام 1960 وبعد استقلال الكونغو، أصبح موبوتو وزيرا في حكومة الرئيس باتريس لومومبا. ونظرا لخبرته بالأمور العسكرية فقد عينه لاحقا رئيسا لأركان الجيش الكونغولي. وفي عام 1965 سيطر موبوتو على السلطة بانقلاب أبيض، ضد أول رئيس للجمهورية يوسف كاسافوبو. وعليه فقد أسس موبوتو نظاما استبداديا يحكمه نظام الحزب الواحد، وفرض على الشعب زيا شعبيا موحدا، ثم رفّع نفسه إلى رتبة مارشال.

اتخذ الرئيس الجديد من الدكتاتورية منهجا لإدارة شؤون البلاد بمباركة أمريكية وغربية، فغير اسم الدولة إلى زائير، وتحول إلى طاغية فاسد يمارس الكذب والخداع وإرهاب الشعب. فارتكب بحقه الكثير من الانتهاكات ضد الإنسانية، وتغاضت أمريكا والدول الغربية عن ممارساته، من أجل استغلال الذهب والألماس والكوبالت والنحاس واليورانيوم الذي تزخر به البلاد، بينما كان شعب زائير يعاني من الفقر والويلات، ويواجه سياسة القمع، والفشل الاقتصادي، وانغلاق الأفق السياسي.

وفي عام 1969 قام موبوتو بقمع دموي لمظاهرة طلابية، وألقى بجثث الطلبة القتلى في مقابر جماعية، وحكم على 12 طالبا آخرين بالإعدام، وأغلق الجامعات عاما كاملا، وقام بتجنيد 2000 طالب في الجيش، وخاطب الشعب من خلال شاشة التلفزيون قائلا : ” تعلموا أن تغلقوا أفواهكم “. ولكنه لم يسنّ قانون ” الجرائم الإلكترونية ” المكمم للأفواه، لعدم ظهوره في ذلك الحين.

تزايدت الانتقادات الشعبية ضد سياسات موبوتو الداخلية والخارجية، وخاصة إزاء فشلها في تطبيق السياسات الاقتصادية المنتجة، والتي كان لها أبلغ الأثر على حياة الشعب اليومية. وهذا ما أجج الفوضى في البلاد وولد المعارضة المسلحة ضد الحكم. ولكن موبوتو نجح في القضاء عليها بفضل الدعم الأمريكي والغربي. ومما زاد الأمر تعقيدا في البلاد، أن موبوتو دخل في أواخر التسعينات بحرب جديدة ضد دولة رواندا المجاورة، فأصبح يحارب على جبهتين داخلية وخارجية، أدت تشتيت جهد الدولة.

شكلت المعارضة المسلحة تحالف القوات الديمقراطية، من أجل تحرير البلاد من حكم الطاغية. كما انقلب عليه حلفاؤه القدامى الأمريكان، ودعموا مساعده المنشق لوران كابيلا بالسلاح، وحرضوا دول الجوار للزحف عليه بقواتهم، فتمكنوا من الدخول إلى كنشاسا وإسقاط موبوتو عن السلطة، الذي لجأ للهرب إلى توغو ثم إلى العاصمة المغربية ينهش المرض جسمه إلى أن توفي هناك عام 1997. لم يدم حكم كابيلا طويلا بسبب المواجهات الإثنية والعرقية، إذ جرى اغتياله من قبل أحد رجاله عام 2001.

ومن الناحية المالية، فمن الجدير بالذكر أنه بين عامي 1975 و 1984 تلقت زائير مبلغ 9,3 مليار دولار من المساعدات. وكان الشطر الأعظم من هذا التدفق المالي يصب في حسابات موبوتو الخاصة، في بروكسل وفرانكفورت وجنيف ولندن. كما لم يتورع موبوتو عن نهب عوائد ثروات البلاد من المعادن النفيسة كالذهب والنحاس واليورانيوم، ليضخ حصيلتها أيضا في حساباته بالخارج.

والسؤال الذي يطرح نفسه بعد نهاية حكم موبوتو هو: هل استطاعت الكونغو استرداد بلايين الدولارات، التي هربها موبوتو من أموال الشعب الكونغولي إلى دول أجنبية طوال سني حكمه ؟ أم أن تلك الدول استولت الأموال المودعة لديها من حساب شعب الكونغو الغني الفقير؟

إنها إحدى قصص الطغاة، الذين يستبيحون حقوق شعوبهم، ويتجاهلون أن الله لهم بالمرصاد. فهل يأخذ الغافلون درسا وعبرة من التاريخ ؟

التاريخ : 26 / 10 / 2019

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى