انتماء النحل وانتهازية الذباب / د . خالد غرايبة

انتماء النحل وانتهازية الذباب
شكا لي احد الاصدقاء والذي يملك ويدير احدى شركات الاتصالات في الاردن والتي تنفذ مشاريع في الخليج، ان الكثير من مهندسي الشركة والذين معظمهم من خريجي الجامعات الاردنية، يتم ارسالهم لدول الخليج لتمثيل الشركة وتنفيذ مشاريعها هناك بعد تدريبهم من قبل الشركة لسنه او اكثر وإكسابهم المهارات اللازمة. الا أن هؤلاء وبمجرد وصولهم للخليج يبدأون في البحث عن وظائف مع الشركات المنافسة لشركته و يترك الكثير منهم الشركة بدون تقديم استقالات رسمية ويقومون باستعمال خبرتهم التي اكتسبوها، وربما اسرار الشركة، لفائدة الشركات المنافسة. وقال لي إن ذلك ادى الى خسائر كبيرة لشركته لأن الاستثمار في البشر مكلف جدا ويمكن ان يؤدي الى خسائر باهظة خصوصا عند الاستثمار في من لا يملكون الحد الادنى من اخلاق المهنة.
اعتقد أن اسباب هذه الظاهرة هي اسباب تتعلق بالثقافة السائدة في مجتمعنا والتي أدت الى فشل كبير في الوصول الى التقدم الاقتصادي. فالمجتمعات الناجحة تركز على غرس قيم الاخلاص في العمل وروح الفريق والانتماء في الافراد منذ سنوات عمرهم الاولى.
فمثلا يُعزى نجاح الشركات اليابانية الى التزام الافراد بالانتماء الى المجموعة وبولائهم لها والذي يؤدي الى سيادة قيم العمل الجاد والتعاون بين الموظفين ومدرائهم لما فيه مصلحة شركاتهم. هذا فضلاً عن الالتزام الكبير للافراد والمدراء بقواعد اخلاقية عالية المستوى في التعامل واللياقة واحترام الآخر والمستمدة من قيم الثقافة اليابانية الكونفوشية. ونتج من ذلك كله الى تقليل تكلفة الصناعات المختلفة في اليابان وقاد الشركات الى أن تتفوق على قريناتها في الدول الاخرى التي تميزت فيها العلاقة بين الموظفين وشركاتهم بأنها علاقة مصلحية وقصيرة الامد. ولاعجب أن تصبح الصناعة اليانية اعظم صناعة على وجه الارض بعد الحرب العالمية الثانية بحيث تفوقت على نفسها وعلى العالم.
في ثقافتنا الاسلامية قيم كثيرة مشابهه للقيم اليابانية فالعمل الجماعي والاخلاص في العمل قيم اساسية في تعاليم الاسلام ويظهر ذلك في كل النصوص القرآنية والسنة النبوية وفي طريقة العبادة والمعاملات.
واما في موروثنا الثقافي العربي، فالعمل الجماعي والانتماء لبيئة العمل كانا اساس مجتمعاتنا الزراعية التي كانت تتميز بالتعاون بين الافراد في الحراثة والحصاد وحتى في تطيين البيوت. ومن لم يسمع بذلك فليسأل جده وجدته.
هناك فرق كبير بين مجتمعاتنا الحالية والمجتمعات الناجحة بما فيها مجتمعاتنا الزراعية القديمة (مجتمعات الحراثين) التي كانت ناجحة بكل المقاييس. انه نفس الفرق بين مجتمعات النحل ومجتمعات الذباب؛ فمجتمعات النحل المنتجة تتميز بتقديس العمل الجماعي والانتماء لتلك الخلية التي تنتج العسل المفيد وأما مجتمعات الذباب فتتميز بالعمل الفردي الذي تسوده الانانية والتنافس غير الشريف وغياب الانتماء لمكان العمل وعدم وجود الانتاح النافع.
الانتماء للعمل والاخلاص له هو نفسه الانتماء للوطن وهو برأيي قيمة مجردة لا تغيرها الظروف ولا نقصان العطاء من الطرف الآخر. قيمة لم نعد نعرفها في هذا الزمان.
قلت لصديقي اعتذر عن تصرف أولئك الشباب الذين تركوا شركتك فبعضهم كانوا من طلابي ويبدو أنني قصرتُ في تعليمهم قيمة الانتماء للعمل واخلاقيات المهنة.
ودمتم

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى