الذاكرة المثقوبة

#الذاكرة #المثقوبة
د. هاشم غرايبه

لم يستطع معادو منهج الله، إخفاء خيبة أملهم، بعد الهزيمة المنكرة التي ألحقها مجاهدو أفغانستان بالغرب، فأخذوا يُعزون بعضهم بعضا، بأن الأمر ليس انتصارا، بل خطة تمويهية من أمريكا، وصدق ذلك من كان يعتبر أمريكا إلها معبودا لا يقهر، فيما ردد التافهون هذه المقولات ليخففوا من حالة القهر التي يعيشوها بعد فقدانهم الأمل بالقضاء على العقيدة الجهادية، خاصة بعد فشل حملة الحرب على الإرهاب بذلك عسكريا.
من السخافة الإعتقاد بأن أمريكا يمكن أن تضحي بسمعتها العسكرية بسهولة، فالقوة التي لا قبل لأحد بصدها هي دعامة اقتصادها وعماد ازدهارها، لذلك فلم تخرج أمريكا من أفغانستان باختيارها، فقد دخلتها تحت عنوان واحد، وهو إبعاد طالبان عن الحكم وتسليمه لنظام علماني (ديموقراطي بمفهوم الغرب)، وبعد صراع دام أكثر من عشرين عاما، واستغرق حكم أربعة رؤساء، وخسارة تريليون دولار اضطروا للتسليم بسيطرة طالبان، وفشلها الذريع ذاك يعتبر هزيمة لا مراء فيها.
صحيح أن القوة الغاشمة كانت متفوقة على قوات طالبان بشكل صارخ، فالقتال كان يتم من مسافة بعيدة مما لا تتيح المجابهة مباشرة معهم، لكن السيطرة على الأرض لا تتم إلا بأفراد، ولما كانت لا تريد الزج بجنودها مقابل مجاهدين لا يخافون الموت، فقد دربت أمريكا جيشا من العملاء الأفغان بأعلى درجات التدريب والتسليح لمواجهة المجاهدين، وتركت لهم مهمة حماية النظام العميل والتصدي للمجاهدين.
سوء التقدير الذي يقع به دائما معادو منهج الله، هو أنهم لا يصدقون بأن سلاح العقيدة غالب لأي سلاح، لذلك صعقوا حين وجدوا جنديهم العالي التدريب والتسليح هرب فور أن واجهه مجاهد قليل التدريب وضعيف التسليح لكنه مؤمن بأنه يدافع عن منهج الله.
لذلك لم يرد منافقو الأمة المعادين لاستعادة الحكم بمنهج الله أن ترتفع معنويات المسلمين، بعد قرن من القهر والاضطهاد، فيتخلو عن مطلب استعادة وحدتهم وإقامة دولة الإسلام، لذلك هم يشككون بهذا النصر المبين.
وفي سبيل وأد هذا الحلم، فهم يرددون أباطيل الغرب بحق المجاهدين الأفغان، والتي نسجها لاتهامهم بما اعتاد الغرب على وصم المسلمين به من تخلف وهمجية.
القليلون من الغربيين الذين تمكنوا من الإطلاع عن كثب على طبيعة المجاهدين، عرفوا الحقيقة بعضهم كان شجاعا ليتكلم بما عرف، وأغلبهم حورب فسكت.
من هؤلاء القلة كانت الصحفية البريطانية “إيفون ريدلي”، والتي نشرت قصتها فقالت:
إنها أرادت كصحفية أن تقترب من الصورة أكثر وتسافر إلى أفغانستان أثناء حكومة طالبان الأولى من 1996 إلى 2001 ، وتنقل للعالم استبداد حكومة طالبان وظلمها للمرأة، وكيف ستواجه هذه الحكومة المتخلفة، الحرب الأمريكية.
اتجهت إلى باكستان، ومنها تسللت لأفغانستان متخفية في زي امرأة أفغانية على ظهر حمار بين شقوق الجبال، ووصلت للعاصمة كابول وانبهرت من الروح المعنوية العالية لدى كل الأفغان وليس مقاتلي طالبان فقط، لمواجهة الحرب.
عندما أنهت ايفون مهمتها الصحفية أرادت الرجوع من حيث أتت، وعلى الحدود تسقط الصحفية المغامرة من فوق الحمار الذي تركبه فتصرخ باللغة الانجليزية، وتسقط الكاميرا التي تحملها، ليتنبه أحد جنود طالبان، فيقبض عليها.
لم يقم أحد من الرجال بتفتيشها بل امرأة لتعرف ما إذا كانت تحمل سلاحاً، ثم نقلت إلى مكان مجهول، وكانت المفاجأة لها أن المكان مكيف وملحق به دورة مياه نظيفة، والمعاملة لطيفة من قبل الحارس والمترجم والمحقق، فلم تتعرض لأية إساءة، وبعد أن تأكد لهم أنها صحفية وليست جاسوسة، أعلنت حركة طالبان أنها ستفرج عنها لأسباب إنسانية، أحضروا لها شيخا يحدثها ويدعوها للإسلام، ولما رفضت، قبل منها وعداً بدراسة الإسلام، ولم تكن جادة بذلك فقد كانت ستعد بأي شيء مقابل حريتها.
لكنها تذكرت بعد عودتها الوعد الذي قطعته على نفسها أمام الشيخ، وبالفعل بدأت تقرأ بموضوعية ودراسة أكاديمية في كل ما يقع تحت يدها عن الإسلام، وبعد أن عرفت مكانة المرأة في الإسلام وأنها بعكس ما كانت تعتقد، أعلنت إسلامها بعد 30 شهرا من وقت الاعتقال.
لكن ذلك جلب لها العداء والمضايقة، بعد إذ كانت تنال التكريم باعتبارها بطلة تحررت من طالبان، إلا أنها لم تتأثر بل كرست بقية حياتها للدفاع عن الاسلام، ومحاولة تصحيح المفاهيم البغيضة عنه وعن متبعيه مثل طالبان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى