الدولة الكهنوتية

#الدولة_الكهنوتية
بقلم : د. هاشم غرايبه

لأن الإنسان مدني بطبعه ولا يستطيع العيش إلا ضمن جماعات، فقد انشغل منذ القدم في البحث عن الصيغة الأمثل لنظام الحكم.
وبوحي من التكوين الفطري للإنسان في اعتقاده بوجود إله، فقد ربط بين القوة والحكمة و #العدالة التي هي أبرز مواصفات الإله وبين #صفات #الحاكم المطلوبة، لذا فقد كان حظ الكهنة والعرافين هو الأوفر بتسلم مقاليد الحكم على اعتبار أن لهم صلة بالآلهة، وانعكس ذلك على تأليه العائلات الحاكمة المنحدرة منهم كما حصل مع عائلات الملكيات الأوروبية وشرق وجنوب آسيا.
اكتشف البشر سريعا مدى ابتعاد هذه الطبقة الحاكمة عن الحكمة والعدالة، وكان الأسهل على الأوروبيين القضاء على هيمنة رجال الدين بإسم العلمانية، لكشف الغطاء الديني عن الطبقة الحاكمة، فأنتج النظام الجمهوري القائم على امكانية اختيار الحاكم من غير النبلاء.
من هنا نفهم مبررات رفض #الدولة_الدينية، لأنها تقوم على احتكار “القوة والحكمة والعدالة” من قبل الحاكم واتباعه على اعتبار أنهم خلفاء الله في أرضه، وهم فوق المساءلة والمحاسبة (أي كالإله تماما).
لكنه من الخطأ ربطها بالدين القويم الذي أنزله الله، لأنه يرفض ألوهية الإنسان ومبدؤه التوحيد، بل الأصح تسميتها بالدولة الكهنوتية.
عندما ظهر #الإسلام رفض هذه الدولة المتمثلة بالأباطرة والأكاسرة، وحاربها لأن مبدأه #تحرير #الإنسان من #العبودية، واستحدث نظاما سياسيا بالمفهوم الشوري المتقدم، القائم على تحقيق المباديء الأساسية الثلاث ذاتها، ووسيلته التقوى والذي أهو أقوى الضوابط للنفس البشرية، وبالتأكيد أقوى بكثير من ضابط السلطة التشريعية في النظام الديمقراطي، والتي ثبت في التطبيق العملي، أنها أول ما يفرغ من مضمونه في الدول الديكتاتورية (الكهنوتية).
الدولة الكهنوتية بصيغة العصور الوسطى زالت كمسمى، لكنها بقيت كمضمون للآن بصورة الدولة الديكتاتورية، وقائمة على احتكار الحكم والاستئثار بالسلطة والقرار والثروات، وبديلا عن سلطة الدين فقد استبدلت به سلطة القمع البوليسي، وما زالت موجودة الى اليوم في أغلب الدول المتخلفة بشقيها: الملكي والجمهوري، بلا اختلاف كبير من حيث امكانية تداول السلطة.
ولما كانت الدولة الكهنوتية تعيش خارج العصر، فلا يبقيها إلا اعتمادها من قبل الدول المهيمنة، وهي الدول الأوروبية، والتي حافظت على استعمارها الآفل للدول الفقيرة عن طريق إدامة هذه الأنظمة فيها مقابل حفظ مصالحها.
مما سبق نصل الى أن مفهوم الديمقراطية الذي يكفل حق الإنسان بالعيش تحت حكم يحفظ له حقوقه، ليس قياسيا، لأنه مفصل لحفظ حقوق الإنسان الأوروبي، فيما هو بعيد جدا عن ذلك للبشر الآخرين.

ويؤكد ذلك التطبيق المعاصر، فقد بات الفارق الأساسي بين الدولة الديمقراطية والديكتاتورية، يكمن في احترام حق الإنسان في اختيار حاكمه، لذا فعدم مراعاة هذا الحق لمواطني الدول المستحمره، يجعل الأمر انتقائيا، بل فعليا لا تستخدم الدول المهيمنة حقوق الإنسان إلا ذريعة لتدمير من يعارضون هيمنتها، فيما تغض الطرف عن انتهاكها من قبل من يمالئونها.
إذن يجب أن يكون تصنيف الدولة موحدا للجميع، وقائما على مدى التزامها بمبرر وجودها، الى صنفين: الديمقراطية التي تحترم حقوق المواطن، والبوليسية: التي تعتبر الحاكم إلها على الأرض، يكرم من يشاء ويذل من يشاء ودور المواطن يقتصر على الهتاف والتصفيق.
التطور الانساني في مسار الديمقرطية بدأ في أوروبا، لكنه للأسف استقر فيها، هي صدّرت إلينا كثيرا من شرورها وأطماعها، لكنها بخلت في تصدير التقنية والديمقراطية، وبدلا من ذلك منحتنا أنظمة حكم كهنوتية تنتمي الى القرون الوسطى واعتمدتهم كوكلاء حصريين لإبقائنا متأخرين مستهلكين لبضائعهم.
ما تتشابه فيه هذه الأنظمة هو اهتمامها بالأجهزة الأمنية والمخابراتية، واقتصر تطور الدولة على تطوير هذه الأجهزة نوعاً وكمّاً، بل جعلت مهمة قواتها المسلحة أمنية، لتحافظ على النظام السياسي بدلا من الدفاع عن الوطن، بعد أن جعلت مفهوم الأمن هو أمن النظام من معارضية، وليس أمن الوطن من عدو الأمة، ولا أمن المواطن على حياته وممتلكاته.
في ظل تغييب الديمقراطية، وبقاء هذه الحالة من بعد الحاكم عن منهج الله القويم، الضامن الوحيد للتقوى، واستبدال الحاكم رضا الغرب برضا الله، لن نطمع في تحقيق تقدم الأوطان ولا حقوق المواطنين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى