الدولة الإسلامية بين المأمول والخيال 2/2 … د . هاشم غرايبة

الدولة الإسلامية
بين المأمول والخيال 2/2
لم يسجل في تاريخ البشرية أن أمة نهضت وتقدمت بناء على أسس مستوردة من أمة أخرى، بل كانت جميعها مستندة الى مكنوناتها الحضارية التليدة، لذلك فالذين يطالبون أن تعتمد نهضة أمتنا على مناهج و سبل الأمم الأخرى، هم إما واهمون أو أنهم متعصبون دينيا ضد منهج أمتنا.
لذلك فأول خطوة في الإتجاه الصحيح يجب أن تكون التوقف عن الدعوة الى قطع الصلة مع هذا المنهج والتحول الى مناهج بديلة، فيكفينا مائة عام من الفشل عشناها على هذا الوهم.
الخطوة الثانية تتكون في تعاضد جهود المخلصين باتجاه رسم المسار الأنجح معتبرين من التجارب السابقة التي أسلفنا، ومن تجارب الأمم الأخرى القديم منها والحديث.
في هذه المرحلة سيجد هؤلاء المخلصين أنفسهم يحاربون على ثلاث جبهات معا:
الأولى: جبهة تتكون من تحالف الحاقدين على الإسلام المتربصين للإيقاع به(المنافقين عبر التاريخ)، ومعهم بعض المتساقطين من عباءة الإسلام بفعل حالات نفسية أو اجتماعية خاصة بكل واحد منهم.
الثانية: القوى الخارجية المعادية تاريخيا للأمة، والتي هزمت دولة الإسلام التاريخية بعد صراع قرون، فلجأت الى تفتيت الدولة الى اقطاعيات (سايكس-بيكو)، وأقامت عليها وكلاء أقطعتهم حكمها مقابل محاربتهم عودة المنهج الإسلامي، والذي يمكن أن يوحدها من جديد بلا شك.
أما الثالثة: فهي الأكثر مقاومة لمشروع النهضة هذا، وهو جبهة انتهجوا تحويل الإسلام الى مجرد طقوس وشعائر فردية ليفرغوه من محتواه الأيديولوجي المحدد لأسس النظام السياسي الإسلامي والإجتماعي والإقتصادي، المستلهمة من مقاصد الشرع وغاياته في تحقيق سعادة البشر وصلاحهم.
وهؤلاء صنفان: صنف قعد به فهمه عن القدرة على اجتراح تلك الأسس المتوافقة مع مستجادت العصر ولوازم التطور المعرفي البشري، فتمسك بالقوالب القديمة خوفا من (البدعة) وتحسبا من الإبتعاد عن نهج السلف الصالح.
والصنف الآخر مخترق من قبل أعداء الأمة الخارجيين وأجهزة مخابرات الأنظمة، وتعرف هؤلاء بسيماهم فهم موالون للسلطان، ويبيحون قتل من يعارضه ويفتون له بجواز الإستعانة بالأعداء، يتشددون في التمسك بمظاهر التدين، لكن الدين لا يتجاوز حناجرهم، ولا يتورعون عن تنفيذ أعمال بشعة ليصموا بها الإسلام حتى ينفض الناس عنه.
إذاً فينتظر هؤلاء المخلصين للأمة الساعين لنهضتها، مهام جليلة لكنها محفوفة بالصعاب، لذا فعليهم التحلي بصبر آل ياسر، وعزيمة الفاروق، لكن نجاحهم مضمون بإذن من كفله، وهو مالك الملك، الذي بيده وحده النصر والفلاح، وحدد شروطه ببذل قصارى الجهد، وإخلاص النية في المقصد، فلم يشترط تحقيق التفوق التقني ولا العسكري.
لقد تعلمنا من غزوة الخندق، كيف كان من أسباب النصر الإستفادة من تجارب الآخرين (الفرس) بحفر الخندق، لذا فعلينا نحن أيضا أن نستفيد من تجارب الآخرين المعاصرة، فالأوروبيون لم يكونوا ليتقدموا لولا بناء قاعدة اقتصادية انتاجية، ترافقت مع التحرر من الإستبداد الإقطاعي والكنسي، ثم جرت تعديلات على النظام السياسي حتى بات خادما للشعب لا مستعبدا لهم.
نحن بعكسهم، لا نعاني من استبداد ديني، بل هو عندنا رافعة للتقدم، لكن الإستبداد لدينا فساد سياسي ومالي ، لذلك فحركة نهضتنا يجب أن تتم بمسار معكوس، فالبدء بالقضاء على هذا الفساد حتى يمكن بناء القاعدة الإقنصادية الناجحة، وما يقف في وجه بنائها هو أنظمة الإستبداد الفاسدة المفسدة، فلا تنقصنا الموارد بل حسن الإدارة والإخلاص.
أمتنا أمة واحدة، وبلاويها واحدة، لذلك علاجها موحد، وهو حركة نهضوية بهدف التغيير السياسي، وفق المنهج الإلهي، الذي يضمن صلاح الحاكم والمحكوم، تنفيذ ذلك بخارطة طريق يرسمها المفكرون، ويتبنى تنفيذها المجاهدون المخلصون.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى