الدرب ضاق والقلب ربيع ( ج2 ) / د. سمير أيوب

الدرب ضاق والقلب ربيع ( الجزء الثاني )
تثرثراتٌ في الحب
ذاتَ عشاءٍ في فضاءاتِ المخيم السياحي في وادي رم جنوبي الاردن ، كنتُ مِمَّنْ يجلسون حول مواقد الحطب ، ووهجُ دِلالِ القهوة المُحاصَرَةِ بجمر الحطب ، يُداعب عيونَ خيالي ، جاءتْ تتهادى بين الجمال والدلال والوقار . استأذَنَتْ بعد ان القت بالتحية ، لتجلس بجانبي . وقبل ان تُكْمِلَ مراسمَ هبوطِها المُتأني على المَجْلس الأرضي ، همَستْ بالقرب من عيني مُتَسائِلةٌ : ألا نُكْمِلُ حديثَ أول المساء ؟
أمسكتُ بِيدها مُبتسما ، دونَ قولٍ ، وإنْتَبَذنا مكاناَ قصياً في الطرف الشرقي للمخيم . وهناك ، أرتقينا بتمهلٍ ، صخرتين متقابلتين متقاربتين . أدَرْتُ رأسي بعيدا عن شغفِ عينيها ، وحمْلقْتُ بلا وعي صامتا ، في قطعان العَتْم ، وعيون الليل المتلألئة في سهوب السماء . وَثَبَتْ إلَيْ وهزت كَتفَيْ ، وأدارَت ذقني باتجاه بحورعينيها . وبما يشبه العتاب قالت بشئ من الغضب المعاتِب : ما بالك صامتا ؟ يكاد ابي الهول ان يشبهك . قل لي وانت اكثر من يعلم ان الدرب قد ضاق .
تَسَمَّرَتْ امامي واقفةً ، مُحَمْلِقَةً بحيرةٍ ، تارة في عيني ، وطورا في شفتي ، وفي كل الاوقات كانت تمسك بقلق بيدي .
فقلت : يا سيدتي ، على أرصفةِ الوقتِ ، إنصتي جيدا لمرايا البصيرة ، لا تشتبكي مع غِواياتِ مرايا البصر . فهي تقيم من تُرَّهاتِها المُتعرجة ، عتبات ٌ آثمة لخصومات مع الجسد ، ومعاداة القلب وكراهية مشاعره . وكلها إحلالاتٌ تُفْقِدُكِ الكثيرَ من رُشْدِ اللهفةِ وشباب القلب وأنين الجسد .
على ارصفة الوقت ، لا تُنصتي مطولا لوساوس العقل ، فكلها وسواسة خناسة . تنسج لك من حصى الناس ، ملوثاتٍ سمعية ، وغُبارَ وقارٍ مُلْتَبِسٍ ، وأعراضَ ورعٍ عابر .
جميل ان تعرفي ثرثرة الناس . ولكن من اجل حقك في الحياة ، لا تكريسا لحقهم في الثرثرة أو ألأرتيابِ الُمستبيحِ لخُصوصياتك. حاصري حِصارَهم . وأغلقي عليهم كل معابِرَهم .
لو بلغ قلبك رشده ، إتخذيه وَلِياً لأمرك ، وإحتمي به ، وإستسقيه . وإعلمي ان قدر الضعيف ان يُهادن أحيانا عقله ، وبعضا من إغواءاتِ المرايا ، وشيئاً من أوثانِ الناس ، وغُبارِ جاهليتهم . دون الأسستثمار مطولا في الضعف ، او الأتكاء عليه كثيرا .
عندما يدق الحب ، جدران الخزان من الداخل او من الخارج ، في الوقت الأقل حظا في الزمن ، لا تضعي له حدّاً ، ولا تَرسمي له حدودا . كوني له 23 ساعة و59 دقيقة فقط كل يوم . ودعي ما قد يتبقى لك من وقت ، حُراً طليقا .
تعلمي الحب ولغة الجسد من جديد . فكثير الحب ، لم يعد يترجم بحرف ولا حتى بصوت . ولا تصدقيهم ، فأسراب العمر، تنبع من القلب لا العكس .
وإن كان القلب بلا عنصرية ، تذكري دائما انه اناني بطبعه . ليس كمثله شئ ، لا يقبل التشبه او التماثل او المقاييس المعيارية المتوافق جمعيا عليها . دروبه وضوابطه ، صعبة يا سيدتي .
إبْتَسَمَتْ بحياءٍ وهي تَغُضُّ طَرْفَها وسألت بتؤده : هل من سبيل الى السلامة ؟
قلتُ ضاحكاً ، ونحن نبدء مشوار العودة ثانية ، الى مضارب المخيم : ليتك تسلمين يا سيدتي .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى