الحور العين ، لمن ؟ / عالية الشيشاني

الحور العين ، لمن ؟

ارجو بداية ان يتسع صدر القارىء للوقوف على بعض القصص والاحداث التي عايشتها بما يخص موضوع المقاله ، لانها ستكون المفتاح لفهم ما اود طرحه من رأي في هذا الامر .

– في جلسه تضم العديد من الاصدقاء والمعارف ، توجهت بطلب لاحد الرجال ممن تجاوز الخمسين من عمره والذي اتوسم فيه الصلاح والتقوى ، ورجوته ان يعظ ابني لكي يواظب على الصلاة ، لم يتردد الرجل وتصدى للمهمة بصدر رحب ، وشرع بتوجيه النصح لابني الذي كان في العاشره من عمره آنذاك : ( يا ابني التزم بالصلاة وبسائر العبادات فان الحور العين بانتظارك) ، التفت ناحيتي فجأة فرأى ملامح الصدمة تعلو وجهي ، تلعثم في الكلام ثم انهى موعظته سريعا .
بت ليلتها افكر فيما قاله ولمن قاله ، لابني الذي كانت اقصى امانيه في ذلك الوقت ان يحمّل لعبة جديدة على هاتفه الخلوي ، او يحصل على دراجه هوائيه جديده ، كيف يتم ترغيبه بالحور العين من اجل المواظبة على الصلاة .
– حكاية اخرى وقعت لي ، ذات مرة كنت اتجاذب اطراف الحديث مع صديق من دولة عربيه وهو شاعر واديب ، وقد ذهبنا بالحديث الى ذكر امنياتنا من نعيم ورغد الجنه، وعن اكثر شيء قد يبهرنا من تلك النعم . ابتدأت بالكلام عن امنياتي وسردت قائمة طويله من النعم التي ارجو ان تكون من نصيبي في الجنة ان شاء الله ، وحين اتى دوره بالحديث عن امنياته المرجوة من نعيم الجنة لم يزد على كلمتين ( الحور العين) .
– لعل العديد شاهد على النت مقاطع فيديو لخطب الجمعه التي يلقيها احد الخطباء في جنوب المملكه ، على ما يبدو ان الرجل لم يتلقى تعليما اكاديميا ، لكنه يحسن التعبير عن افكاره باسلوب فكاهي يجتذب الناس لسماع دروسه ، في احدى خطبه يتيه بخياله وتتملكه حالة من النشوة وهو يتصور رجلا في آخر عهده بالدنيا وقد كُشف الغطاء عن بصره ، كيف تتراءى له زوجاته الحوريات في السماء يلوحن له من الاعالي، ينظر الخطيب الى يمينه ويرفع بصره الى السماء ويخاطب الحوريات وكأنهن جالسات فوق غيمة ينظرن نحوه وتبادره احداهن قائلة ( hi ) ، فيسألها عن اسمها ، ترد عليه بغنج ( انا سوسو) ، يدق الخطيب على صدره متنهدا ( يا ويلي) ، ومن هذه ؟ ومن هذه ؟ .
كل هذه الصور والمواقف التي تواترت على سمعي وبصري جعلتني ادرك حجم الشغف الذي يحمله الرجل في قلبه تجاه الحور العين اللاتي وعد بهن في الجنه كجزاء على طاعته لله ، وينطبق هذا ( فيما يبدو) على الرجل بغض النظر عن مستواه الفكري والتعليمي والاجتماعي والامثله التي ضربتها في صدر المقال خير دليل على صحة ما اقول . ومن ثم قررت الكتابة حول هذا الموضوع الشائك مخالفة بذلك نصائح عديدة تلقيتها من بعض المقربين ، وكان من الطبيعي ان ابحث في بعض المراجع وفي شبكة الانترنت لتكون نواة لمقالتي فوجدت العجب العجاب ، وجدت ان هذه المسألة اخذت حيزا واسعا من التدقيق والتمحيص والتأويلات بعلم وبغير علم ، العديد يتصدون للحديث عن هذه المسأله من مشايخ باتوا يعرفون بالنجوم في عالم الدعوه ،الى شباب في اواخر العشرينيات من اعمارهم ، الى اصحاب تخصصات علميه بحته وايضا مفسري القران الكريم . تأويلاتهم حول ماهية الحور العين تتجاذب وتتنافر، منها اراء تقليديه معروفه ومنها ما يحمل طابعا ثوريا ، منها تفسيرات حسيه واخرى روحانيه ، لكن الجميع يبدو واثقا من صحة رأيه وانه وحده يمتلك ناصية الحقيقه ، ولا ادري من اين جاءوا بكل هذا اليقين بشأن مسألة غيبيه نقر بوجودها ولا نعلم ماهيتها .
اسمح لي عزيزي القارىء ان انقل لك بعض هذه التفسيرات والتأويلات التي قضيت ساعات طويله في قراءتها او الاستماع اليها . احدهم ممن يسبق اسمه حرف (د) يقول بانه لا متع حسيه في الجنه وان الحور العين هن مجرد دليل سياحي وظيفتهن تقديم الطعام والشراب والخدمه ، وهن حسب تفسيره فتيات في سن العاشره . شاب حديث السن لديه قناة على يوتيوب يقول بان الزواج في الجنه هو نفسي وليس جسدي مستشهدا بقوله تعالى ( واذا النفوس زوجت) ، واخر من مفسري القران يقول ان الحور العين هن نساء الارض قد اعاد الله عز وجل انشائهن بمواصفات جديده تناسب حياة الجنه ، وان التفسير اللغوي لكلمة الحور العين يعني ذات العيون شديدة سواد البؤبؤ وشديدة بياض ما حوله . مفسر آخر التقط مسألة العيون السوداء الواسعه وانطلق منها ليعرض بضاعته الفكريه فقال ان الحورية سوف تمتلك القدرة على تغيير لون عيونها حتى لا يشعر الرجل بالملل مستشهدا بسؤال وجه الى احد المشاهير الغربيين عن سبب خيانته لزوجته الجميله ، فأجاب : الرغبة في التغيير ،
البعض وبسبب مواقف مستهزئه من بعض المستشرقين يحاول نفي وجود الحور العين ، ولعله لا يريد ان يوصم المسلمون بانهم اتباع ديانه شهوانيه ، بل ان بعض غلاة المبشرين ادلوا بدلوهم في هذا الامر فترى احدهم يصف جنة المسلمين بالماخور الذي يعج بالشهوات من كل صنف، ثم يعطي تصورا عن الجنة في المسيحيه فيقول في نهاية موعظته ما معناه انت ايها المؤمن عليك ان تختار بين سماء المسيحيين المليئة بالمحبة والالفة والتسامح والطهر وبين سماء المسلمين المليئة بالشهوات الحيوانيه والملذات .
احد المشايخ ( النجوم ) وقع في تناقض عندما اقر بحق النساء في السؤال عن ما اعد لهن من نعيم الجنة في مقابل الحور العين اللاتي خلقن للرجال ، ثم عاد وقال انه لا يجوز ان نسأل عن تلك التفاصيل ،وان المرأة مطلوبة وليست طالبة ، وان غاية ُمناها هو الحصول على الحلي والجواهر والزينه وهذا ما ستجده في الجنه . ومفسرون اخرون ينفون صفة الشهوانية عن هذه المسألة وان العلاقة الزوجية ليست دنسا وذلك في معرض ردهم على شبهات المستشرقين .
في الواقع لا ادري سبب هذه الحيره وهذه التأويلات ، ما دام ذكر الحور العين مثبت في القران الكريم وصحيح السنه ، فاذا اراد الله عز وجل ان يكافىء الرجال من اهل الجنة بزوجات من الحور العين فهذا شأنه ، وهو سبحانه لا يُسأل عما يفعل . اما ماهية الحور العين ان كن من نساء الدنيا المؤمنات ام من نساء خلقن في الجنه فهذه امور غيبيه لن يصل اليها ادراكنا المحدود .

ان هذا الوجد الذي يعشش في قلوب الرجال يجري استثماره واستغلاله من قبل تنظيمات صنعت في اقبية اجهزة استخبارات غربيه تتستر بغطاء الاسلام ويقوم اصحابها بقطع الوعود لاتباعهم بأن كل واحد منهم سوف يحصل في الجنة على سبعين حورية اذا ما قام بتنفيذ عملية (استشهاديه) ، كل ذلك يجري عن طريق غسل ادمغتهم وجعلهم ادوات في ايدي مجهوله هدفها تخريب ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا ، وكما تتم عملية صناعة النجم في عالم الغناء والتمثيل والرياضه بتسليط الضوء المستمر على حركاته وسكناته ، ايضا هناك آلة دعائية ضخمه وظيفتها صناعة نجومية هؤلاء القتلة فترى وسائل الاعلام تتسابق في نشر اخبار تنظيمات دموية مثل داعش ، تحركاتهم ، انواع سياراتهم المفضله ، قصص سباياهم ، ولا عزاء للمقاومة الوطنية الشريفة في البلدان التي تعاني من عودة الاستعمار ، فلا تكاد تعرف اخبارها وتضحيات ابطالها بل يجري التعتيم عليها عمدا .
مسألة الحور العين اصبحت من المرتكزات الرئيسية في الدعاية المضادة للاسلام، وباتت مثار تندر وسخرية في مواقع التواصل الاجتماعي ، حتى اصبح الكثيرون يشعرون بالخجل من ارثهم الديني طبعا في غياب الثقافة الدينية المطلوبة والوعي والقدرة على المحاورة والاقناع وهي ادوات بات العديد يفتقرون اليها ، فنحن للاسف اصبحنا امة مغيبة ، في هذه الظلمات الحالكة التي تلف عواصم وحواضر عربية وفي ظل تلك المآزق الخطيرة والنكبات التي تتوالى على رأس الامة منذ عقود ، عيب ثم عيب ان نشغل انفسنا بهذا الجدل العقيم الذي لا طائل من ورائه ، الاولى ان نهتم بالنهوض من كبوتنا وان نوقف ذلك التدحرج اللامنتهي نحو القاع ونفكر في انقاذ رقابنا من ذل الاستعمار الجديد الذي خرج من الباب ليعود من النافذة اقوى واشرس واشد فتكا ، بدلا من الجلوس والتفكر هل الحور العين خلقن من مسك وعنبر ام من طين، وما لون عيونهن ، واحجامهن والوان ثيابهن ، في جدل يذكرنا بالجدل البيزنطي الذي اشتهر في الامبراطورية البيزنطية ، كان الرهبان والناس مشغولين بمسائل لاهوتيه لا طائل من ورائها بينما القتال يدور في شوارعهم مع العثمانيين ، الى ان انتهى امرهم وسقطت دولتهم بسبب الجهل بالاولويات .
الحور العين مكافأة ، ولكن لمن ؟ للذي سلم الناس من لسانه ويده ، للذي يزرع شجرة بنية ان يهب ثمارها لكل ذات كبد رطبه ، لمن كان ارضا خصبة للخير والعطاء ، لمن صام وصلى وادى الطاعات ، لمن وجه سلاحه نحو عدوه الحقيقي فقط ، لمن نشر العلم وعمل به ، لمن فتح القلوب بابتسامة صادقه .

مقالات ذات صلة

Raed_alia@yahoo.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى