.شكراً “كوداك”

[review]

مقال الخميس 26-1-2012

بعد 130عاماً من تأسيسها ، تقدّمت شركة "كوداك" العريقة والرائدة في التصوير الفوتوغرافي طلباً للحماية من الإفلاس لتضع حداً لتدهور وضعها الاقتصادي بعد أن هجر المستخدمون الأفلام والكاميرات العادية الى غير رجعة ، وبالتالي  عدم قدرتها على منافسة الشركات المصنّعة للكاميرات الرقمية ذات الخيارات المتعددة و التطور المذهل..

خسارة يا "كوداك" ..فأول صورة لي في هذه الحياة التقطت بكاميرا وفيلم هذه الشركة  قبل 32 عاماً..صحيح أن أول صورة لي في هذه الحياة أظهرتني منسدحاً  منفرج الساقين وثوبي الأبيض "مرفوع" الى خصري  بينما أبي يثبت بيديه رجلي  النحيلتين ..والمطهّر في الجهة المقابلة "يقوم بالواجب" صاكاً على أسنانه بطريقة انتقامية..لكنها بقيت للذكرى وللعبرة أيضاَ..فكل أعمارنا سنقضيها منسدحين منفرجي السيقان بينما قوتين الأولى تثبتنا جيداً بداعي "الرحمة"  والأخرى تقوم بعملها  بطريقة انتقامية بداعي "الواجب" ..

مقالات ذات صلة

خسارة يا كوداك..حتى الصورة الثانية لي في هذه الحياة  جاءت من "واقعة الطهور" ايضا..حيث أبدو بها ذابل العينين بيدي "كمشة" حلو  وعلى مقربة مني  "مفتاح معلبات" وعلى وسادتي  " لفّة كتكت" وآثار يود..ترى ما علاقة مفتاح العلب بــ"الكتكت" ..بالطهور؟؟ حتى هذه اللحظة لا أعلم ..

 

خسارة..فمن خلال  كوداك..استطعنا أن نخلّد صور بعض الأقارب بشعرهم الطويل وشاماتهم الداكنة وبناطيل الشارلستون، والقمصان المورّدة ذات الياقات العريضة و"طعجاتهم" التي لا تخلو من الإغواء المبطّن..

 

من خلال كوداك..عرفت جيداً ملامح دارنا قبل ان تتغير فيها البوابة وقبل ان يستطيل السياج وتحطّب الليمونة..ويهرم الزيتون..وتعجز الدالية ..وتعقر أزواج الحمام المصري ..وينقرض "الشب شايب" و"الدريهمة" و"كريشة الحية" "والكسبرة" والخبيزة البعل…

 

من خلال كوداك ، كنت أشتم رائحة البدلة الكاكية التي يرتديها أبي..والمس خشونة ذقنه وتعرج جبهته..كلما ضربني اعصار اليتم وأرغمني على فتح "البوم العائلة القديم"..

 

شكراً كوداك..لأنك خبئت أعمارنا بورق اللحظة ..وحنّطت ابتسامات كانت بريئة بريئة ..وأوجاع كانت بريئة بريئة..وتركتها طازجة فواحة كما لو انها الآن..شكراً كوداك أقولها ..باسم كل الراحلين و الخالدين في عمر"اللقطة"..

 

احمد حسن الزعبي

ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى