الحكومة العميقة.. ليست عميقة / توجان فيصل

الحكومة العميقة.. ليست عميقة

توجد مشكلتان في الأردن تخشى الحكومات الاعتراف بحقيقة حجمهما، وهما مشكلتا الفقر والبطالة، فالأرقام الرسمية لهاتين المشكلتين لا يمكن اعتمادها، ولو تقريبياً، ويؤكد هذا لنا اطلاعنا على جيوب فقر عديدة، بعضها مدقع، ليس في المناطق المصنفة فقيرة في الأردن، بل في غرب عمان. فسيل ما أسمي بالخصخصة وجذب الاستثمار جرف ابتداء غالبية المشاريع الصغيرة. ثم أتى ذلك الاستثمار على الثروات الوطنية الكبرى التي كانت توظف الكثيرين وبيعها بحيث حكم عليها أن تصدر كخامات فقط – كما جرى للفوسفات الذي كان يعتبر نفط الأردن- أغلق أبواب عمل قائمة بدل أن يوسعها ويطورها،

كما جرى ارتجال وتجريب في كل ما أسمي تشجيعاً للمشاريع الصغيرة، وبمجمله تلزم موهبة فذة للشاب الذي يريد أن ينشئ مشروعه، وغني عن القول إن قيام كبار السن بهذا يصبح أصعب. ومن هنا فإن المتقاعدين يقعون في خانة الفقر بتآكل القيمة الشرائية لتقاعداتهم.

يُضاف لهذا كله أن الدولة لم تحرج من صفتها كمستخدم رئيس، بل فعلت ما هو أخطر إذ وظفت الأمر سياسياً، ما جعل طلب الوظيفة “بالواسطة ” أشيع سبل البحث عن عمل، وهو ما يخلق بطالة مقنعة لا تخرج الموظف من دائرة الفقر. بل إن الأمر انعكس بصورة سلبية على الدولة “سياسياً” ، إذ تحول طابور المسجلين في قوائم طلب الوظائف لأعداء للجسم السياسي الرسمي الذي “الواسطة” برزت كأحد أكبر مداخل الفساد فيه.. فهنا يحدد المعطل من هو خصمه، ويؤشر على المسؤول مباشرة، وعلى “الدولة”من وراءه.

مقالات ذات صلة

والآن موضوع البطالة والفقر الناتج عنها سيّس بشكل غير مسبوق بطرح تعديل دستوري متخبط يسمح لمزدوجي الجنسية بتبوؤ منصب الوزارة وما في حكمها، بحجة “مساواة الأردنيين في الحقوق وفرص تبوؤ المناصب”. الحديث الشريف يقول “وإذا بليتم فاستتروا “.

فقبل أيام فقط، جرى تداول مراسلات علنية بين رئيس الحكومة ورئيس مجلس النواب، إذ طلب رئيس مجلس النواب تعيين ما يقارب المئة وعشرة من أبناء وأقارب النواب موظفين في مجلس النواب.. رغم أنه لا شواغر لهم، بل إن تكديس الموظفين في المجلس نتيجة تعيينات غير لازمة وغير مشروعة أدى لتوزيع خمسمئة منهم في عهد هذا المجلس على مختلف دوائر الحكومة. ورغم مخالفة هذا للقوانين “ومنها قانون الموازنة الذي أقره النواب” ونظام الخدمة المدنية، لكونه يسلب حق الأقدمين في تقديم طلبات الوظائف ولكون التعيين لا يتم إلا لشواغر يشترط بالمعين التأهل لها إضافة لحق أقدمي الطلب. واستهتار رئيس الوزراء بالقوانين والحقوق وبمعاناة الشباب العاطل عن العمل تبين في مخاطبته رئيس مجلس النواب رسمياً بقوله إنه وافق على التعيينات- التي يقر بعدم قانونيتها وبمساسها بحقوق وفرص شباب أردنيين آخرين – بعد تردد.. ليرد عليه رئيس مجلس النواب بأن تعيينات النواب تتم “منذ الأزل من خلال الاستثناء وليس عن طريق ديوان الخدمة”.. فهل تبقى لحكومة ومجلس نواب هذا موقفهم “المساواة وتكافؤ الفرص” بالنسبة لشباب معطل مفقر، أي مصداقية في الحديث عن فرص بمناصب عليا لمن يحملون جنسية أخرى، أي لمن يحظون بحقوق وحماية دول متقدمة علينا؟! وحتى بالنسبة للفرص في الوظائف المتقدمة، الشعب يعدد أسماء أبناء وأصهار الوزراء ورؤساء الوزراء الذين باتوا يورثون المناصب.

تعديلات الدستور تصدرت حراك الربيع الأردني بحيث أصبح هنالك حركة باسم شاب دستور 52، تطالب بالعودة لذلك الدستور، وفي حين اعتبر طلب بعض الشباب لدستور جديد شططاً وانقلاباً على الدستور القائم، نجد أن حزم تعديلات الدستور الملكية المصدر، عبر لجنة ملكية عامي 2011 و 2014، والمطروحة الآن بتعديلات جذرية تطال طبيعة الحكم ، باب التعديلات فتح على أكثر من جرح لا يستبعد معه أن تبدأ مطالبة بترحيل كل من الحكومة ومجلس النواب.

إصلاح ما أفسدته السلطتان التنفيذية والتشريعية باستهتار غير مسبوق، يلزمه رئيس حكومة قوي يأتي بطاقم قدير ويجري انتخابات نزيهة.. وواضح أن هكذا مؤهلات تزعج بل وترعب نادي غير المؤهلين وغير المقبولين شعبياً، والذين زوّقوا الإتيان بهذه الحكومة ومجلس النواب هذا، وسابقات لكليهما، لخدمتهم.. والأدهى أنهم الآن صاروا يطلبون”الخدمة” بحرفيتها، بحيث استسهلوا إرسال التعديلات الدستورية هكذا.. رزمة ترسل بطلب ختم حكومة ونواب، ثم “خذوا هذا التعديل أيضاً”.. هذا أمر لن يقبله رئيس حكومة قادر على إنقاذ ما تبقى. وأظنه آن أوان تحييد ذلك النادي، والذي تؤثر بعض الصحافة المتواطئة تسميته “بالحكومة العميقة”.. فالوضع لم يعد يحتمل حكومة عميقة وأخرى سطحية، في حين أن كلتيهما سطحية ومتهورة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بفضل الله لا يوجد في الاردن دولة عميقة. فقط يوجد مجموعة انتهازيين مدعومين من ……………

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى