الحب في زمن الفول

الحب في زمن الفول
د.فلاح العُريني
في اليوم الذي قررت فيه مغادرة مدينة العقبة عائداً إلى الطفيلة، لملمت اشيائي الجميلات وتوجهت إلى شاطئ غندور، مودعاً البحر وداع الحبيب إلى حبيبه، ووداع القدر إلى حتفه ونصيبه..
تركت ابنائي بعيداً عني ليخلو لهم الجو، ليمارسون اللعب على الشاطئ دون خوف مني عليهم ولا وجل..
جلست لوحدي في زاوية حرجة، لعلي استعيد عبق الماضي وبراءة الطفولة، لعلي اسمع صوت اغنية قادم من الشرق، يشعرني بشاعرية المنظر، الَّا بصديقي الرائع الجميل جميل عيال سلمان، قد حضر لي ليشاركني جلستي..
تبادلنا اطراف الحديث واغتبنا بعضاً من اعضاء الحكومة بصمت، وقمنا بتحليل الواقع الذي نمر به..
فُجأة جاءت سيدة بريعان شبابها وجلست مع زوجها خلفنا، كانوا قريبين لدرجة ان همسهم مسموع لنا..
من خلال حوارهم مع بعض تذكرت ابو بدر وام بدر في باب الحارة..
كان الله في عون الزوج، كان لنظراتها قبضة امنية وكأنها تمارس صلاحيات وزير الداخلية اللي، اما هو فحاله حال الشعب، الذي ترك أمره لله.
جاء شاب في مقتبل العمر ليبيع باقات من الورود، وتوجه نحو السيدة الانيقة وعرض عليها الورد..
الثلاثة بدينار.. لالا
الاربعة بدينار.. لالا.
قالت له: واصلة معي انا وزوجي للطلاق على دينار ونص وانت بدك تبيعني ورد بدينار.
انحرج الشاب وتوجه نحوي..
يبدو انه احسن الاختيار..
عرض علينا الورد الاربعة بدينار، حكيتله: لو كانوا اربع علب فول بدينار اخذتهم.
فما كان من الشاب الا ان قال لي: انا ببيعك ورد وانت بتطلب فول؟
شو هالشعب الغبي..
عاهاتك ياوطن.
عرفت من كلامه اني عاهة من عاهات الوطن..
نعم عاهة أنا ياوطني..
كيف لي أن استبدل الورد بعلبة الفول..؟
مسكت الشاب من يده وقربته لي وقلت له:
اسمع يابني، لاتعرض بضاعتك على احد، فكل بضاعة ولها زبونها..
الورد للعشاق..
والفول للجعان..
والجاكيت للبردان..
والحذاء للي باع الأردن بأبخس الاثمان..
اسمع ياصغيري..
نحن شعب جائع، وأنا أول الجائعين.
قاطعني الشقي قائلا:
ماحدا جعان، اليوم الكلاب شبعانة.
فاخبرته:
نعم اليوم الكلاب شبعانة واولاد الكلاب شبعانين وزوجات الكلاب شبعانات وكل الكلاب المتنفذة في البلد شبعانة.
الكلب اللي بيوكل بثلاثة الاف دينار شبعان، والكلب اللي بيوكل بالشهر بعشرين الف قتلته التخمة.
انت عارف لشو أنا جعان ياصغيري؟
أنا مو جعان للرغيف..
انا جعان للحرية..
أنا جعان للعدالة..
أنا جعان لحقي لحتى يرجعلي..
أنا جعان لوطن اشعر فيه ويشعر فيني..
أنا جعان لايام العشق الجميل لحتى بس اشتري منك وردة اعرف لمين اهديها..
عرفت يا ابني لشو احنا جعانين..
بعد كل هالحوار وكأنني سمعتها تقول لي: عموووه.
حينها ادركت ان الورد علينا محرَّمٌ.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى