النصر الاردوغاني / محمد يوسف الشديفات

النصر الاردوغاني وحالة الاستقطاب في الشارع العربي

حبس الشارع العربي أنفاسه وهو يتابع كغيره في كل انحاء العالم، محاولة الانقلاب العسكري في تركيا والتي باءت بالفشل، منتظراً لحظة الحسم، حيث انقسم بين مؤيد ومعارض لهذا الانقلاب، فالبعض يرى في الدولة التركية ممثلة بسلطانها الجديد انموذجاً فريداً للدولة الاسلامية-السنيّة، التي تقف في وجه المدّين الغربي والشيعي في آن معاً، والبعض الآخر يرى ان تركيا اردوغان قد ضعضعت استقرار المنطقة برمتها، عن طريق دعمها للإسلام السياسي والتيارات الأصولية، في سبيل تحقيق حلم التمدد وبسط النفوذ واستعادة امجاد الدولة العثمانية الذي ما انفك يراودها، فيما يرى البعض ان تركيا “العثمانية” عملت جاهدة على انهيار جارتها السورية، والتي تعتبر من وجهة نظرهم رمزاً للقومية العربية، وآخر معاقل “المقاومة والممانعة”.

بعدما نجح حزب العدالة والتنمية في تحقيق النجاحات والانتصارات المتوالية، عمد “سلطان تركيا الجديد” الى استنساخ النموذج العربي في الحكم، وآثر تحويل سلطته الى سلطة مطلقة، عن طريق إقصاء المعارضة، وإسكات الاصوات المخالفة له داخل الحزب الحاكم، وتشكيل كيانٍ اردوغاني موازٍ لكيان الدولة التركية، وإصراره على تطبيق نظام الحكم الشمولي من خلال تغيير نظام الحكم في تركيا من نيابي الى رئاسي، منقلباً بذلك على النظام الديمقراطي الذي بنيت على اساسه الدولة التركية الحديثة، والذي أوصله شخصياً الى سدة الحكم.

اردوغان يقدم نفسه الى اوروبا والغرب عموماً على انه رئيس علماني يقود دولة مدنية بكل المقاييس، ويقدم نفسه للشارع العربي على انه “الخليفة” المنتظر والقائد الاسلامي الضرورة، فخطبه الرنانة والمكرورة لم تجد من يصغي اليها سوى الشارع العربي الغارق في احباطاته ومآسيه، ويقدم نفسه الى روسيا على انه بوابة الحفاظ على مصالح روسيا الاستراتيجية في المنطقة، كما انه يقدم نفسه الى الكيان الصهيوني على انه حليف وشريك استراتيجي، فاتفاقية تطبيع العلاقات التركية-الاسرائيلية لم يجف حبرها بعد، ولو افترضنا جدلاً ان الغاية من وراء التطبيع مع الكيان الصهيوني هي مساعدة الاشقاء في غزة المحاصرة، لبررنا تطبيع الدولة الاردنية –على سبيل المثال- مع هذا الكيان في سبيل إبقاء المستشفى العسكري الميداني في غزة، ولاعتبرناه انجازاً يكتب بماء الذهب!

مقالات ذات صلة

كل هذه الانجازات تسجل لاردوغان ورفاقه، فالرجل يسعى بكل اجتهاد وراء مصالح دولته بكل ما أوتي من براغماتية، وقد يكون هذا النهج سبباً رئيسياً في اعجاب الكثيرين بشخص اردوغان، الا انه ليس سبباً منطقياً لتمجيده وتعظيمه داخل الشارع العربي، الذي لم يضع في جيبه “قرشاً واحداً” من الانجازات الاردوغانية، ولو كان تمجيد الاشخاص وتعظيمهم في المجتمعات العربية مبنياً على مقدار ما حققوه وأنجزوه لبلادهم، لكانت –من وجهة نظري- المستشارة الالمانية انجيلا ميركل هي الأحق بهذا الاحتفاء!!

قلما تجد في الشارع العربي معارضة وطنية تضع المصالح الوطنية نصب أعينها، فتوالي وتعارض ايماناً منها بأن مصلحة الوطن تسمو على اي مصلحة اخرى، وغالباً ما يكون التناحر العربي-العربي امتداداً لأيديولوجيات خارجية، كما ان الانظمة العربية الحاكمة ما زالت تستلهم من القرن الماضي نهج إقصاء المعارضة وقمع الآراء المخالفة لها، وتعتبرها قوى معادية يجب التخلص منها، في حين ان المعارضة التركية، والتي برأيي كان لها دور مفصلي في إفشال محاولة الانقلاب، كانت طوق النجاة بالنسبة لاردوغان، ولم تقف الى جانبه “لسواد عينيه”، بل وقفت الى جانب وطنها التي تحرص على أمنه واستقراره اشد الحرص.

استحقاقات النصر الاردوغاني تجلت بوادرها في إقالة واعتقال الآلاف من القضاة والعسكريين والمدنيين، كما ان التصريحات الرسمية الاولية افادت بأنهم سيواجهون حكماً بالاعدام، فالذريعة واهية لتصفية من تبقى من خصوم اردوغان السياسيين، الذين وقفوا عائقاً في طريق احلامه المنشودة، الا انه لو ثبت فعلياً انخراط هذا العدد الضخم من المواطنين الاتراك في محاولة الانقلاب الفاشلة، ممن يتقلدون المناصب الرسمية؛ فالتساؤل المشروع هنا، هل ما حدث في تركيا كان انقلاباً أم ثورة؟ وهل الاضطرابات التي حدثت في بعض الدول العربية، ممن تدخلت تركيا في شؤونها الداخلية، تعد انقلابات أم ثورات؟!

شئنا أم أبينا، فتركيا تمثل قوة إقليمية لا يمكن تجاهل دورها المحوري كلاعب أساسي في منطقة الشرق الاوسط، حيث استطاع اردوغان ورفاقه في حزب العدالة والتنمية ان يضعوا تركيا على خريطة القوى العالمية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، الا أنه وبالالتفات الى التطورات السياسية التي شهدتها تركيا في السنوات الاخيرة، والى تداعيات الانقلاب الفاشل ونتائجه، يجدر بنا ان نستلهم المواعظ والعبر من الدرس المجاني الذي قدمته الدولة التركية لنا جميعاً، بجميع مكوناتها، جيشاً وشعباً وحكومة ومعارضة، فالانجرار الاعمى وراء النظرية الاردوغانية، او نظرية “المقاومة والممانعة” الإيرانية، او غيرهما من النظريات الخارجية التي اتخذت من الارض العربية ميداناً للتناحر فيما بينها، في سبيل تحقيق أهدافها ومصالحها، لن يقودنا الا الى الإفراط في تجرع المزيد من خيبات الأمل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى