الجيش الشعبي “الالكتروني” في الأردن / د. نبيل العتوم

الجيش الشعبي “الالكتروني” في الأردن

تابعوا معي …في أخر انتخابات في الأردن كان من یحق لھم الاقتراع حسب الأرقام الرسمية ھو 4 ملایین و130 الفا، ونظریا فان نسبة المقترعین في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في العام 2016 لم تتجاوز الـ37 %من مجموع من یحق لھم التصویت، في حين تراجعت نسبة المشاركة في الانتخابات البلدية واللامركزية في العام الذي تبعه لتتراجع نسبة المشاركة إلى31.7 في المائة من عدد الذين يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات، فبحسب الأرقام الرسمية التي صدرت عن الهيئة المستقلة للانتخاب في ذلك الوقت فقد بلغت نسبة المشاركة في العاصمة الأردنية عمان نحو 16 في المائة فقط، أما في المدن الكبرى الثلاث بمجموعها عمان والزرقاء واربد لم تتجاوز ال26 في المائة، على الرغم من مشاركة الإسلاميين في تلك الانتخابات .
الملفت أن النسب لم تتحسن كثيراً وبقيت متدنية تحديداً في المدن الكبرى التي تضم العدد الأكبر من الناخبين، ولولا الاعتماد على الثقل العشائري ، لانهارت العملية الانتخابية برمتها في الأردن ، الرهان الرسمي كان وما يزال في رفع نسبة التصويت في الانتخابات ، من خلال الاعتماد العامل العشائري.، وإن كنت أشكك في استمرار هذا الدعم الآن لعوامل عديدة لا مجال لذكرها ، وبحسبة بسيطة اختار أكثر من مليونين ونصف أردني عدم المشاركة في الانتحابات البرلمانية والبلدية والحكم المحلي ، في دولة تدّعي أنها تسير على سكة التحول الديمقراطي الرشيد .
لنكن صريحين لهذه الأغلبية الصامتة أو الساخطة أسبابها في المقاطعة ، فقد كانت فكرة الذين قاطعوا صندوق الاقتراع أنهم مؤمنون بأنه لا جدوى من المشاركة في انتخاباتٍ لا تقدم ولا تؤخر، لأنه لا قرارات بيد البرلمان ، ولا حتى الحكومات ، والانتخابات باختصار ما هي إلا ديكور لتأثيث المشهد السياسي الأردني واستكماله ، وإخفاء الوجه السلطوي للدولة خلف مظهر ديمقراطي شكلي .
من خلال معايشتي للواقع الأردني وبعيداً عن المجاملات الذين يقاطعون الانتخابات هي طبقة منهكة اقتصادياً ، وبائسة سياسياً، ومُشككة في سلامة الاقتراع، وتعتبر أن التصويت لعبة مفبركة، وأن الصندوق لن تخرج منه مفاجآت ولا معجزات ، لأن لديها شكوكاً أن القوائم الناجحة مُعدة سلفاً في الأدراج ، وأن الناجح في هذه الانتخابات هو المنسجم مع سياسات الدولة والمتناغم معها ، وهذا ما عمق من نظرية اليأس واستحالة عملية التغيير ،ما جعل الأغلبية والتي بالمناسبة هي ليست صامته ولا هامسة هي “ساخطة ” بامتياز تلاحظ من بعيد وتكتم في نفسها غيظاً بلا حدود .
في الانتخابات الأردنية يفوز من يفوز ويخسر من يخسر، فهذا لم يعد من شأن المواطن الأردني مطلقاً ، و الذي استسلم لواقعه بالضربة القاضية ، لكن في حقيقة الأمر لا الفائز فائز ولا الخاسر خاسر لأن المقررين الحقيقيين من الأغلبية الصامتة ” الساخطة ” لم يشاركوا في اللعبة الديمقراطية بنزاهة ، فأغلبية الكتلة الناخبة الأردنية اختارت مقاطعة الانتخابات ولعبت دور المتفرج ، أو لنقل “الملاحظ الساخط ” عبر وسائل التواصل الاجتماعي ، ثم انتقلت إلى البناء التنظيمي الجديد وهو ” الجيش الشعبي الألكتروني ، في الوقت الذي ما زال فيه جُل الأردنيين لا يثقون في قدرة السياسة الأردنية على إحداث التغيير في معيشة المواطن اليومية ، ولا يرى هؤلاء أن الانتخابات والأحزاب والبرلمان والحكومة، وكل مؤسسات الدولة بهيكلها الحالي و المعنية بصناعة القرار قادرة على تحسين أوضاعهم، وهنا يجب الانتباه إلى الأردني أن النظام السياسي برمته بات مستنزفاً من خلال خسارته قاعدة مناصريه بشكل غير مسبوق.
المصيبة أن هذه الأغلبية الساخطة الذين لم يشاركوا في الاقتراع قد تمترسوا خلف منصات التواصل عبر الانّترنت ، وبدأ هناك تنظيم جديد في التشكل ، للتعبير عما يجول في خاطرهم من هواجس، يعتمدون في معلوماتهم عما ينتجه المعارضون والناقمون والساخطون ، الأشخاص الذين يتابعونهم ، أو الذين اختاروا إضافتهم إلى قائمة أصدقائهم ، ليتشاركوا معهم الهم والوجع والنقد ، داخل شبكة تعج بسيل جارف من الدعايات والمعلومات والوثائق مشكلين جيش “شعبي الكتروني” ، قد يزحف في أية لحظة مغادرين الصفحات الزرقاء إلى الشارع .

المثير وأمام كل ما يحدث ويجري ، فقد أبدعت الدولة الأردنية في تقديم السلاح الناجع لهذا الجيش كي ينظم نفسه ضدها ، ، وهو سلاح الانترنت الذي مكن الأغلبية الصامتة لتعبئة نفسها ضد سياسات الدولة غير المسبوقة ،في ظل هجرة غير مسبوقة لأدوات الدولة الاعلامية كالتلفزيون الأردني ، والصحف والمواقع ووسائل التواصل الاجتماعي ، والاعلاميين المحسوبين على الدولة ، اللذين باتوا كمكبرات الصوت ، وظاهرة صوتية تفتقد الموهبة لاقناع الناس ولو بنزر يسير من سياسات الدولة .
فالحكومة الأردنية سعيدة ، وهي تتحدث عن انجازها في رفع أعداد المشتركين في الانترنت وشكله وسرعته ، وهي بالمناسبة أرقام مهولة، حيث يبلغ 6,6 مليون مستخدم بنسبة 65,7 % من السكان ، لكن الخبر السيء أنه بات سلاح ” الجيش الشعبي الألكتروني في الأردن .
الملفت أن الدولة الأردنية لم تعي خطورة اللعبة الجارية ؛ فالحكومة والأجهزة الأمنية منشغلة بالحراك ورموزه على الدوار الرابع وفي المناطق التي انطلق منها ، في الوقت الذي طورت فيه الأغلبية الصامته ” الساخطة ” التي بدأت في تشكيل الجيش الشعبي الألكتروني أدواتها و أساليبها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي حولت الأردن إلى فضاء الكتروني واسع ، و ما يشبه مقهى حواري خاصة أن الأجواء الماطرة ، وقشعريرة البرد تزيد من الحماس والتعبئة ضد الدولة عندما تظهر عورات الخدمات ، وصور الفقراء اللذين داهمتهم السيول ، ولهيب ارتفاع أسعار الطاقة ….، يجلس فيها الملايين يتداولون الأخبار ، وينشرون الوثائق الحكومية التي يتم تسريبها تباعاً ، ويترقبون من الشخصيات السياسية والعسكرية السابقة التي تتسابق للادلاء بشهاداتها حول العصر، حتى ولو على مستوى الموظفين والضباط من صغار الرتب ، وتثير موضوعات حساسة تدغدغ المشاعر حول الفساد ونهب مقدرات الوطن …، ويكفي أن يكون نادل المقهى الالكتروني – ما يعرف بالمؤثرين الفايسبوكيين – يجيد نقل الكلام ، وصياغته بأسلوبه الصحفي التشويقي ، المصحوب بالصور والمؤثرات الصوتية كنغمة “موطني” ” وانشودة وين الملايين ” التي تصدرت قائمة النغمات ، ثم يتم تحوير الأفكار حول سياسة الدولة ورموزها ، لتحلق الفكرة بين رواد التواصل الاجتماعي بسرعة البرق، ولتضيع معها منصة ” حقك تعرف” التي عجزت أو تهربت للإجابة عن الكثير من التساؤلات ، فتعطلت المنصة الحكومية عن الكلام ، واندفعت المدفعية الالكترونية الشعبية لتواصل زحفها الألكتروني .
و مما يشتت من جهود الدولة ، ويجعلها في حالة ارباك تام ، سرعة تدفق الأخبار والمعلومات أن الجيش الألكتروني الذي تم تنظيمه عبر الانترنت لا يوجد لها موجه أو قائد ، لأن الهم واحد والغم وقهر الظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هو القائد ، وهو الشخص المعنوي الذي يشكل القاسم المشترك الأعظم بين هذه الأغلبية ..
من يعتقد أن إشكالية الدولة مع الأغلبية الصامتة ” الساخطة ” ، هي إشكالية ستقل مع تخفيض سعر رب البندورة وملح الطعام والبلوبيف والسردين هو واهم ، ورغم إدراكي أن الحكومة ملمة بشكل واضح بخطورة الوضع، إلا أنها تلعب بالنار فعليا عبر الإصرار على نفس النهج ، و تقديم وزراء ومسئولين إستفزوا الرأي العام ، لأن ما أظهرته النخبة السياسية التي أضعفت الدولة ، والدولة أضعفتها بشكل متعمد على مدى سنوات ، يجعل الاتكال على هذه السياسات والتمسك بها أمر غير محمود العواقب، فكل فعل من الحكومة ، يقابله رد فعل متعنت من الأغلبية الصامتة ” الساخطة ” ، الذي غدا كجيش شعبي الكتروني مندفع ، وكأن الاطفائي الحكومي الذي تم إسناد المنصب له ولحكومته لإطفاء النار ملأ “خراطيم” شاحنته بالغاز الشديد سريع الاشتعال ليلقيه على الدولة وعلى الناس ..
من المؤكد أن التصرف بوعي ومسئولية ، ووضع خارطة طريق للخروج من عمق المأساة التي بتنا نعيشها ، باتت تشكل بمجلها رقم استراتيجي في معادلة استقرار الدولة الأردنية ، والثقة في نظامها ، و كل ذلك من شأنه أن يدفع إلى إعادة الدور إلى عقل الدولة الأردنية ليتصرف بفعالية وكفاءة- كما عهدناه سابقاً- قبل فوات الأوان.

مقالات ذات صلة
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. كلام صحيح مئة بالمئة،المشاركة في الانتخابات اصبحت مجاملات عشائرية.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى