الثبات على الحق

#الثبات على #الحق
م. #أنس_معابرة

اقتربنا من نصف العام في هذه الحرب الشرسة على قطاع غزة المكلوم، ارتقى فيها عشرات الآلاف من الشهداء، نسأل الله لهم القبول، وقرابة مئة الف جريح، نسـأل الله لهم الشفاء، وإلى الأمهات والآباء والأبناء الذين فقدوا ذويهم، نسأل الله لهم الصبر والسلوان.

ما زال الأبطال هناك في غزة مرابطون، على الرغم من شدة الصيام، وشدة الجوع، وشدة القصف، إلا أنهم ما زالوا يقاتلون العدو الصهيوني بيدٍ من حديد، لم تلنْ أيديهم التي تقبض على الزناد، ولا قلوبهم عن الحق الذي يعتصمون به، فهو حبل الله المتين.

في الحقيقة؛ أنا لا أخشى على هؤلاء المرابطين على الحق، الذي يقاتلون عن عقيدة ثابتة وراسخة في صدورهم، ولا على ذوي الشهداء والمصابين، فهم يعيشون في معاناة وحصار منذ أكثر من عقدين، ويتوقون إلى الحرية، ويعلمون جيداً أن ثمنها غالٍ جيداً، ولم يترددوا في دفع الثمن بأرواحهم ودماءهم.

إن الخشية كل الخشية علينا نحن، الفئة التي تشاهد كل ما يجري، وتعجز عن التدخل المباشر، ولكن لدينا بعض وسائل الضغط على قياداتنا وعلى الرأي العام العالمي، وكذلك وسائل للضغط على الدول والشركات التي ترعى جيش الاحتلال الدموي، فهل ما زلنا ثابتون على الحق بعد انقضاء هذه الفترة الزمنية من الحرب؟ أما اصابنا الفتور والملل وبدأنا بالتراجع؟

إن القضية التي نتكلم عنها اليوم ليست بقضية فلسطين فقط، بل هي قضية أعم وأشمل، فهي قضية الولاء والبراء، الولاء لأهل الايمان والاسلام مهما كان موطنهم ومكانهم ولغتهم، وكذلك البراء من أعداء الإسلام مهما كانت لغتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وحتى لو كانوا يعيشون بيننا، ويدعون انتماءهم إلى ديننا ولغتنا، وهم في الوقت ذاته يمدون أيدهم إلى الكيان الصهيوني بالمساعدات الغذائية وتوصيل الأسلحة، والدفاع عنهم في المؤتمرات الدولية، ويموّلون مشاريعه لإحكام سيطرته على قطاع غزة ونهب خيراته البرية والبحرية، ويتنكّرون لأهلهم واخوانهم الذين يتعرضون للقتل والتجويع على أيدي جيش الاحتلال الذي لا يعرف معنى الحرام.

اذا وصلتَ إلى هذا المقدار من العقيدة العميقة، عندها لا تخشى الفتور مهما طالت الحرب، فالدرب طويل مع الاحتلال الغاشم، وهذه الحرب ما هي إلا صفحة في كتاب من البطولات في مسيرة تحرير الأرض، ومقاتلة أعداء الدين وأهله، سطَره أبطال غزة لوحدهم، بينما تخاذل بقية العالم عن نصرتهم.

اذا وصلت إلى هذا المستوى من الاعتقاد، عندها لن تفتر عن مقاطعة الدول والشركات التي تدعم الاحتلال، وستتخلى كلياً عن منتجاتها، حتى لو كنت بحاجة إليها، فالأسواق اليوم عامرة بالمنتجات الوطنية البديلة، ولتذهب منتجات الدول والشركات التي تدعم الاحتلال إلى مكبات النفايات.

لقد بدأت أصوات تلك الشركات بالارتفاع بعد أن نالت المقاطعة منهم، بعضها أقفل العديد من الفروع حول العالم، وبعضها يعلن عن توقف معدلات النمو السنوية، والبعض الأخر لا يستطيع إخفاء حجم الخسائر عن المساهمين.

ولو وصلتَ إلى ذلك المستوى من الاعتقاد، ستجد أن الدعاء للمرابطين في غزة، وعلى عتبات المسجد الأقصى، وفي جنبات مدينة القدس، لهو الحد الأدنى من النصرة الواجبة علينا لهم، وهو باستطاعة كل مسلم حول العالم، مهما كانت ظروفه، ومهما حالتْ بينه وبينهم المسافات والاسوار والحدود، فالدعاء أثناء السجود قرع مباشر لأبواب السماء، والدعاء لهم قبيل لحظات الإفطار، لا يحول بينه وبين الله حائل، والدعاء لهم في قنوت قيام الليل هو رجاء ومناجاة للرب القريب الذي يسمع الدعاء ويستجيبه.

اذا أردت أن تسطّر اسمك كواحد من أبطال القضية، حاول أن تحمل هم تلك القضية عن عقيدة خالصة عميقة، لا تحمل القضية قوميةً، ولا تحملها عنصرية، ولا تحملها لنعرات طائفية ضيقة، بل اجعل كل دعوة تدعو بها لأهلك في غزة، وكل منتج تقاطعه من منتجات الدول والشركات التي تدعم الاحتلال، وكل صدقة مالية أو عينية بعثت به لأهلنا في غزة، اجعلها عبادة خالصة لوجه الله الكريم، وصادرة من قلب مؤمن بالله، وأن الله سينصر عباده المؤمنين، وسيمحق الكافرين، ولو بعد حين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى