التيه … !!! / منصور ضيف الله

التيه … !!!
غادرت الأزرق جريحا ، لا الناس ناس ، ولا الشوارع شوارع ، والطلاب مجرد أشباح تتلاشى أمام نزيف الدم ، وحس الفجيعة ، وألم الخذلان .
نشأت في بيت قضاء ، شاهدت الكثير ، وسمعت الأكثر ، ولم أتخيل للحظة واحدة أن يصل الغدر إلى هذا الحد ، أن ينسحب الفرد من إنسانيته ، ويغرق في موجات متتالية من فردية مفرطة ، وأنانية مجنونة ، دون أي اعتبار أو حساب . تركني النزيف حائرا ، أعيد طرح الأسئلة الكبرى ، وأتروى كثيرا قبل القول لا الحكم . أثمة مناطق معتمة في ضمير الأنسان ونفسه يستحيل وصول الدين والخلق إليها . ولدت معتمة وتبقى معتمة ، لا يقهرها ضوء ، ولا تنيرها شمس ، أهي الغرائز الآولية في أبهى صورها عندما تمسك بناصية الأمر ، وتحيله ريشة في مهب الريح ؟؟ !! ثم ما قدرة بعض بني البشر على استجلاب هذه العتمة بكل وحشيتها ، وصفاقتها ، وسماجتها ، ونشر ظلامها وظلاميتها ، في استحضار مهيب ، وكورال قشيب ، وكرنفال عجيب .
للباطل غواية منذ آدم وحواء ، يتفجر جنات ، وينمو خطيئات ، ويثمر سريعا كما ” الهالوك ” ، ان لم يجد من الحق قوة ، ومن الخير سياجا ، ومن الخلق زماما .غدا سأغادر ،
أرض الله واسعة ، لن ألتفت إلى وراء ، لن أسيء لأحد ممن عايشوني ، ما كان كان … ما يعنيني تماما رغد وعبد ، وأخشى عليك بنيتي ….. لعنة الكتابة تحاصرك ، أشفق عليك إذ تغرقين في الصفحات البيضاء تسودينها ، وأقرأ لك وأعجب ، وترفضين النشر ، وأعجب مرة أخرى ، ثمة رجل بداخلك ينمو سريعا ، صدقيني سيعذبك كثيرا ، وسيكون سببا لعذاب كثير ممن حولك ، اكبحي جماحه ، حاولي تقزيمه ، لا تدعي له فرصة أن يسترق بعض أنفاسك ، صدقيني يا رغد أنه لن يكون رجلا أبدا ، سيظل مشروع رجل يناهبك أنوثتك طول العمر ، ما أصعب أن يعيش الأنسان بهويتين ، وعالمين ، وشخصيتين . كم من الأثمان نحتاج ، ونحن بشر ، والله بشر ، عند أول ثمن نسقط ، ولا نسلم من أشداق الغير وعرق ألسنتهم . وأعرف أنني غرست فيك هذه اللعنة ، طوال أسبوعين ترقبينني وانا مكب على قراطيسي ،أشعث أغبر ، وخيط دخاني لا يتوقف ، تقتربين مني وتهمسين : مجنون . لا تتورثي جنوني ، فأن تعيشي بلا عقل أفضل ألف مرة .
سأغادر ، لن ألوي على شيء ، سأحمل ما تمخض عنه ” فشلي” ، و “جبني ” مسودة الرواية ، سأضعها أسفل الحقيبة تماما ، ولا أدري والله هل ستطيح الريح ببعض أوراقها ، هل ستغتال الغربة بعض سوادها ، الرواية جميلة ، هكذا أتصور ، وكل ليلة أكتشف عوالم جديدة في عوالمها ، شخوصا يتألقون ، يموتون ثم يبعثون ، أصغر عمرا ، وأكثر نضجا ، يستلذون جحيمهم ، يتماهون مع حجارتها ، وأبواب الجنة مشرعة ، ونعيمها طالب . يبقى أمر يشغلني كثيرا ، ويزعجني قليلا ، ما ورد فيها ، لا أريد أن أجرح أحدا أو اسيء إليه ، لا بد من استشارة قانونية ، وثمة محام شمالي بعيد ، بودي لو تكون بيننا جلسة يتيمة ، أضع نسخة منها بين يديه أمانة ، وأمضي .
سأغادر …. الزمن دواء ، الجديد سلوى ، فليس لنا إلا أن نولد من جديد ، نحمل على أعتاقنا أقدارنا ، نصارع الموج ، ونستحث إرادة الحياة ، فإن ولدت سأغادر الطفل في داخلي ، وإن غالتني الغوائل ، فلكل أجل كتاب . والسلام .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى