التعددية الحزبية …. .. ….اهميتها في تحقيق التوازن والتداول السلمي للسلطة
الأستاذ #عقيل_العجالين
التعددية الحزبية او السياسية تعني وجود عدة احزاب تتنافس فيما بينها للوصول الى تشكيل الحكومة وادارة شؤون الدولة وهذه التعددية لها اهميتها ودورها حيث تعمل على تحقيق التوازن وتداول سلمي للسلطة عبر عملية تفاعلية تجري بينها وبين المجتمع او الشعبب لذلك فان هذه التعددية تشكل ركنا هاما واساسيا في المحافظة على حقوق وحريات الافراد في المجتمع كما سياتي بيانه.
هذه الاهمية للتعددية الحزبية او السياسية قد لا يعيها غالبيه افراد المجتمع حيث يرون ان الاحزاب هي مسالة ثانوية وليس لها اي اهمية جوهرية ولكن الأمر ليس كذلك.
لقد بذلت جهدي في توضيح هذا الموضوع لذلك فانني اضع ما توصلت اليه امانه بين ايديكم في سبيل الانتباه الى مستقبلكم ومستقبل ابنائكم وان لا يقع صغارنا في شرور اعمالنا واهمالنا وان ننتفع بالعلم حيث ان العلم النافع هو صدقة جارية وان الناس على درجات في الانتفاع بالعلم فمنهم من ينتفع به ومنهم كارض قيعان لا تمسك ماءا ولا تنبت كلأ وفقا لما جاء في الحديث الشريف عن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما قال:-( ان مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث اصاب ارضا فكان طائفة طيبة قبلت الماء فانبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها اجادب امسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا واصاب طائفة منها اخرى انما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلا فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه بما بعثني الله به فعلم وعلم؛- ومثل من لم يرفع بذلك راسا ولم يقبل هدى الله الذي ارسلت به).
القارئ الكريم… ان قراءة هذا المقال لا تتجاوز عشرة دقائق تمضيها في سبيل أمانة؛- (أمانة وطن وأمة) وقد امضيت ساعات في كتابة هذا الموضوع واعداده ليكون سهلا ميسرا على قارئه.وفي سبيل أمانة علمية.
لقد تناولت هذا الموضوع في مسائل ثلاث وعلى النحو التالي:-
١-دور التعدديه الحزبيه او السياسيه في تحقيق التوازن.
٢-دورها في تحقيق التداول السلمي للسلطه.
٣-وجود فاعليه لاحزاب متعدده ودور حقيقي لا صوري.
اولا:-……… تحقيق التوازن……..
إن لهذه التعدديه الحزبيه او السياسيه اهميه كبيره مرتبطه بشكل وثيق بالحكومة البرلمانيه والوصول الى هذه الحكومه فهذه التعدديه الحزبيه تعمل على تحقيق التوازن بين حقوق وحريات الشعب وافراده من جهه وبين ممارسة السلطات لصلاحياتها واختصاصاتها من جهه اخرى وفقا لما يلي:-
عند وصول حزب معين من بين هذه الاحزاب المتعدده والمتنافسه الى تشكيل الحكومه فان هذا الحزب يصل الى ذلك عن طريق حصوله على اغلبية مقاعد مجلس النواب وبعد ان تكون الانتخابات النيابيه قد جرت وافرزت نتائجها فعند ذلك تصدر الاراده الملكيه بتكليف رئيس او زعيم الاغلبيه بتشكيل هذه الحكومه؛- وحتما تصدر الاراده الملكيه بتكليف هذا الرئيس او الزعيم وهذه هي الطريقه الدستوريه السليمه في تشكيل الحكومه في النظام النيابي الملكي او الملكية الدستوريه وبغير هذه الطريقه فان الحكومات لا تكون دستوريه وبالتالي لا يتحقق اي توازن كما لا تكون اراد الشعب مناط الحكم أو مصدر السلطات.
ويتحقق التوازن بان الاحزاب الاخرى التي لم تحصل على اغلبية مقاعد مجلس النواب ولم تصل الى تشكيل الحكومه ستبقى احزاب معارضه وتسلط الضوء على كل انحراف او اخطاء ترتكبها الحكومه الحزبيه وتوعية الشعب إلى هذه الاخطاء والانحرافات وهذا من شانه ان يدفع الحكومه الحزبيه بان تكون حريصه كل الحرص على اداء واجباتها الدستوريه بشكل سليم يخلو من اي انحراف او ميل على حقوق وحريات المواطنين ذلك ان الشعب هو صاحب الكلمه وهو مناط العمليه باكملها وان اي انحراف من هذه الحكومه الحزبيه سيؤدي الى ان يفقد الشعب ثقته بهذا الحزب وبالتالي فقدان أغلبية المقاعد في مجلس النواب وبالنتيجه لن يستطيع هذا الحزب الوصول مره اخرى الى تشكيل الحكومه.
وبالاضافه الى دور الاحزاب المعارضه فان نواب الحزب نفسه الذي شكل الحكومه سيكون لهم الدور الاكبر في مواجهة اي انحراف من حكومة حزبهم لان هذا الانحراف سيؤدي الى نهاية الحزب وموته سياسيا.
من خلال ما تقدم فان الرقابه البرلمانيه على عمل الحكومه سيتحقق عبر مجلس النواب بكافة اعضائه؛- وقد تصل الامور الى طريق مسدود بين الحكومه والبرلمان بسبب الميل او الانحراف في ممارسة الحكومه لسلطتها وهذا ما يؤدي الى فقدان الحكومه لثقة مجلس النواب وطرح الثقه بها مجددا واسقاطها ؛-وبالمقابل فان هذه الحكومه الحزبيه قد تلجأ الى حل مجلس النواب بسبب وصول الامور الى طريق مسدود؛- وهذا ما يؤدي الى استقالة الحكومه وحل مجلس النواب قبل موعده واجراء انتخابات مبكره وتشكيل حكومه اغلبيه من حزب اخر؛- بعد فشل الحزب الاول في تسيير شؤون الدوله وممارسة صلاحيات الحكومه.
وبهذه الطريقه السابقه يتحقق التوازن بين الحقوق والحريات للشعب من جهه وبين ممارسه السلطات والصلاحيات من جهة أخرى دون ميل او انحراف ؛-فلن تستطيع اي حكومه وفقا لهذه الطريقه ان ترهق المواطنين بالضرائب او ارتفاع الاسعار او باصدار انظمه وقوانين تمس حقوق العمال والموظفين .
هذا مع التنويه الى ان هذا التوازن يتحقق في حال كانت الحكومه حكومةاغلبيه برلمانيه وفقا لاصولها الدستوريه السليمه.
هذا التوازن هو نتيجه لعمليه تفاعليه بين الاحزاب والشعب فالشعب هو مناط الحكم ويعبر عن ارادته وثقته عبر الانتخاب ولهذا يكون لكل فرد في هذا الشعب مشاركه في ادارة شؤون الدوله بواسطه ممثلين عنه بطريق الانتخاب وتستطيع الأحزاب تقييم مستوى عملها بواسطة هذا التفاعل عندما يتم قياس مدى ثقة الشعب ورضاه عن نشاطها ودورها ويكون هذا القياس في نتيجة الإنتخاب وبذلك فأن جميع الأحزاب تضع نصب عينيها رضا الشعب وثقته بها فيكون الشعب مناط الحكم حقيقة لا قولا؛- وكما انه يكون لاي فرد في المجتمع حق تولي المناصب العامه بالتساوي مع الاخرين وهذه العمليه التفاعليه القائمه على أن إرادة الشعب التي هي مناط الحكم نصت عليها الماده 21 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان :-.
١-لكل شخص حق المشاركه في اداره الشؤون العامه لبلده اما مباشره او بواسطه ممثلين يختارون في حريه.
٢-لكل شخص بالتساوي مع الاخرين حق تقلد الوظائف العامه في بلده.
٣-اراده الشعب هي مناط الحكم ويجب ان تتجلى هذه الاراده من خلال انتخابات نزيهه تجري دوريا بالاقتراع العام……) . .
إذا كان تشكيل الحكومه يتم بتكليف اي شخص من خارج الاغلبيه النيابيه التي شكلت اغلبيه المقاعد في مجلس النواب فلن تكون ارادة الشعب مناط للحكم وبذلك يصبح الطريق لمن يريد ان يمارس سلطه او يتولى منصبا هو التقرب من هذه الحكومه وبالتالي لن تكون ارادة ورضا الشعب هي المقصد مما يؤدي الى انحرافات وضيق في العيش على المواطنين وغلاء الاسعار وارتفاع الضرائب وصدور القوانين والانظمه التي تنتهك الحقوق والحريات.
ثانياً :-…… دورها في التداول السلمي للسلطه.
أن وجود عدة أحزاب حقيقيه متنافسه يؤدي الى تداول سلمي للسلطه ويقي المجتمع والدوله خطر الاضطرابات والثورات ذلك ان حقوق الانسان الاساسيه وحريته غير قابله للتصرف او الانتهاك وانه لا يجوز للانسان نفسه ان يتنازل عنها لا شرعا ولا قانونا وبالتالي فان المساس بهذه الحقوق والحريات وانتهاكها والاصرار على ذلك سيؤدي الى الاضطرابات والثورات نظرا لوصول الامور الى طريق مسدود.
الدليل الشرعي على عدم جواز التنازل عن حرية الانسان وحقوقه الاساسيه بأن لا يقبل الاستعباد والاستبداد ورد في الأايه الكريمه رقم 97 من سوره النساء قال الله تعالى:-(ان الذين توفاهم الملائكه ظالمي انفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعه فتهاجروا فيها فاولئك ماواهم جهنم وساءت مصيرا).
وفي القانون فقد نصت الماده 47 من القانون المدني الاردني على:-(ليس لاحد ان يتنازل عن حريته الشخصيه او عن اهليته او التعديل في احكامهما).
وفي هذا النص القانوني قد يكون مصطلح الحريه واضحا للجميع ولكن الاهليه لا تعني بلوغ سن الرشد فحسب؛- وانما تعني مجموعة الحقوق الاساسيه التي يجب ان يتمتع بها الانسان في كل الاحوال والظروف وقد نصت الدساتير والعهود والمواثيق الدوليه على حقوق وحريات المواطنين الاساسيه التي لا يجوز ان يتنازل عنها او يتصرف بها.
ان وجود حزب واحد مسيطر وعدم وجود احزاب اخرى او تعدديه حزبيه حقيقيه سيؤدي بالحزب الواحد الى الاستبداد والانفراد بالسلطه وبالتالي الميل على حقوق وحريات المواطنين التي لا يجوز التنازل عنها او التصرف بها وبالتالي حصول ما لا يحمد عقبه من اضطرابات وعنف وثورات وما ينجم عنها من دمار.
اما اذا كان هناك احزاب اخرى فان إعتداء الحكومه الحزبيه على حقوق وحريات المواطنين سيؤدي الى فقدان الحزب اغلبية المقاعد النيابيه بسبب فقدانه ثقه الشعب وعند ذلك يحصل حزب اخر على ثقه الشعب وعلى اغلبية المقاعد النيابيه ويتولى تشكيل الحكومه وادارة شؤون الدوله وتنتهي حياة الحزب الاول السياسيه ويتم التخلص منه ومن انحرافه بطريق الخيار الاخر ودون اللجوء الى العنف والثوره.
ثالثاً:-….. ضرورة وجود تعدد حقيقي لا صوري للاحزاب.
يجب ان يكون هناك عدة احزاب حقيقيه فاعله تتنافس فيما بينها وان لا تقتصر العمليه الحزبيه على حزب واحد له وجود حقيقي وباقي الاحزاب ليس لها وجود حقيقي وانما شكلي او صوري لان ذلك سيؤدي الى ميل واستبداد كما ذكر سابقا وبالتالي انتهاك حقوق وحريات المواطنين والعوده الى ديكتاتوريه مغطاه او مقنعه بالتعدديه الحزبيه وهذه المساله تقودنا الى بعض احكام قانون الاحزاب الاخير الصادر في عام 2022 حيث عمل هذا القانون على قتل بعض الاحزاب السياسيه السابقه لصدوره والتي تم ترخيصها قبل سريان مفعوله وذلك بفرض شروط تعجيزيه وهذه الشروط التعجيزيه شملت الاحزاب السابقه واللاحقه لصدور هذا القانون مما سيؤدي حتما الى ظهور حزب او احزاب مسيطره لا تلقي بالالحقوق وحريات الشعب وذلك في ظل غياب حريه حقيقيه في تشكيل الاحزاب السياسيه ويتبين ذلك من خلال نصوص قانون الاحزاب الاخير ومن بين هذه النصوص نص الماده 42 من قانون الاحزاب السياسيه الصادر في عام 2022 والتي نصت على ما يلي.
(تعتبر الاحزاب المؤسسه قبل نفاذ احكام هذا القانون وكانها مؤسسه بمقتضاها.
على الاحزاب المؤسسه قبل نفاذ احكام هذا القانون توفيق اوضاعها وفقا لاحكام الفقره أ من الماده ١١. منه خلال سنه واحده من تاريخ نفاده…..).
ان هذا النص بشان الاحزاب المؤسسه قبل نفاذه يعني الاعتداء على الحقوق المكتسبه والتي نشات في ظل قانون سابق فلا يجوز الاعتداء على هذه الحقوق المكتسبه وعلى اوضاع الاحزاب السابقه والمرخصه سابقا قبل صدور هذا القانون وحتى لو تم ابطال القانون الذي تم ترخيصها بمقتضاه وفقا لاحكام الماده 94 من الدستور الاردني والتي ورد بها ما يلي:
( يكون للقوانين المؤقته التي يجب ان لا تخالف احكام الدستور قوة القانون على ان تعرض على مجلس الامه….. وله ان يقر هذه القوانين او يعدلها او يرفضها فاذا رفضها…… وجب على مجلس الوزراء بموافقة الملك ان يعلن بطلان نفاذها فورا …… على ان لا يؤثر ذلك في العقود والحقوق المكتسبه).
ان هذا النص الدستوري يعني حرمان ومنع القوانين من التعرض او الاعتداء على الحقوق المكتسبه او مساله حصول الاحزاب على ترخيص سابق في ظل قانون سابق مهما كان وضع هذا القانون السابق وحتى لو كان باطلا وان هذا الحرمان الدستوري يعدم اي صلاحيه للقانون بشان المساس بهذه الحقوق المكتسبه والاوضاع السابقه التي استقرت في ظل احكام قانون سابق مما يعني انعدام نص قانون الاحزاب السابق ذكره بان لا يكون له اي اثر ولا يرتب اي احكام قانونيه بشان الاحزاب التي كانت مرخصه قبل صدوره وكذلك انعدام اي اثر لاي اجراءات تنفيذيه صادره عن الهيئه المستقله للانتخاب بهذا الشان كما يؤدي الى انعدام اي حكم او قرار قضائي يصدر بناء على هذا النص الوارد في قانون الاحزاب الاخير.
هذا الاعتداء الخطير على الحق في تشكيل الاحزاب السياسيه سيؤدي بالطبع الى وجود حزب او احزاب مسيطره دون رقيب او حسيب على ممارستها للسلطه عند تشكيلها للحكومه او عندما يتاح لها ذلك وبالتالي حتى لو تم تشكيل حكومه اغلبيه برلمانيه فانها ستكون دستوريه من الناحيه الظاهريه فقط ولن تكون إرادة الشعب هي مناط الحكم وان ذلك سيتم لعدم وجود أحزاب اخرى تنافس منافسه حقيقيه وتضع ارادة الشعب نصب عينيها حيث سيتم خنقها والقضاء عليها بواسطة هذه الشروط التعجيزيه.
وفي ختام هذا المقال فان هذه الخلاصه الاخيره هي اهم ما هو موجود في مساله التعدديه الحزبيه او السياسيه ففي ظل قانون الاحزاب الجديد فان هناك مرحله جديده قادمه عبر طريقه حزبيه تنشا عنها حكوهة اغلبيه برلمانيه لها دستوريه ظاهره ولكن المضمون ليس كذلك وهذا ما تدل عليه احكام قانون الاحزاب الجديد التي تم ذكر البعض منها فيما سبق وما تضمنه هذا القانون من تضييق وشروط تعجيزيه حيث سيتم قتل الاحزاب الحقيقيه الساعيه للحقوق والحريات بواسطة هذه الشروط التعجيزيه وتبقى الاحزاب الاخرى مما يفتح المجال لأحزاب على مقاس اصحاب الاهواء والمطامع والرغبات وعلى حساب حريات وحقوق الشعب ويتم تشكيل الحكومه وادارة شؤون الدوله على هذا الاساس.
والسلام عليكم ورحمه الله وبركاته