الأعمدة الرئيسة لبناء الدولة

الأعمدة الرئيسة لبناء الدولة
المهندس: عبد الكريم أبو زنيمة

عندما ننظر إلى كثيرٍ من الدول التي لا موارد طبيعية فيها والتي تكون ذات مناخ قاسي – النرويج على سبيل المثال- ونجدها في مصاف الدول المزدهرة فإننا حتماً سنتنبّه لوجود خلل كبير في بلادنا على الرغم من ثرواتنا الطبيعية ومناخنا المتميز على مدار العام، هذا الخلل هو الذي أوصلنا الى هذا البؤس الذي نعيشه وهو ليس خافياً على أحد ويتمثل في سوء إدارة الدولة مالياً وإدارياً وسياسياً.
ولكن وعلى الرغم من كل التهالك والتردي الذي نعيشه في بلادنا لا زال هناك أفق واسع لإعادة ترميم وبناء الدولة إذا ما تمّت تهيئة البيئة الاستثمارية الملائمة ومن سماتها الرئيسية التخلي عن السياسة الجبائية وإقرار الضريبة التصاعدية على رؤوس الأموال وتخفيض الفوائد البنكية مما يسرع حركة السيولة النقدية في الأسواق، إضافةً لذلك فإنَّ إقرار التشريعات وفق المعايير العالمية لتشجيع الاستثمار وحمايته ستقصم ظهر الفساد مرة واحدة وإلى الأبد.
كل القطاعات مهمة بل ومهمة جداً لبناء الدولة لكن هناك ثلاثة قطاعات هي الأهم ويجب التركيز عليها وإعطاؤهما الاهتمام الأكبر المتمثل في إعفاء كل مدخلات الإنتاج الخاصة بها من الضرائب والضرائب المضافة وإعفاء صادراتها من أيّة ضرائب مع مراعاة أسعار الطاقة بحدودها الدنيا لهذه القطاعات؛ لما لها من أهمية في استيعاب القوى العاملة وما تشكله من مساهمة كبرى في الناتج المحلي، أما القطاع الأول فهو:
قطاع الزراعة: فالأردن يمتاز بمناخه الملائم جداً على مدار العام لتنوّع المحاصيل، وبمساحاته الملائمة لتربية الثروة الحيوانية، إذ لا يعقل أن نستورد ما يقارب نصف استهلاكنا من الخارج، هذا القطاع يحتاج لإدارة وطنية كفؤة لرسم سياساته واستراتيجياته لرفع مساهمته في الناتج المحلي لحدود 35%، وكل ما يحتاجه تطوير هذا القطاع لن يشكل عبئاً مالياً على الدولة ويمكن تنفيذ التطوير بالشراكة مع القطاع الخاص أو بالتعاون مع الدول المانحة، هذا القطاع يحتاج إلى ما يلي:
• إلغاء كافة الضرائب على مدخلات الإنتاج وتحديد أسعار الطاقة والمياه لهذا القطاع على أساس سعر الكلفة.
• التوسع في الحصاد المائي وإقامة السدود.
• عقد اتفاقيات وشراكات استراتيجية مع الدول المستهلكة.
• تأسيس البنية التحتية للتصدير وخاصةً مطار للشحن.
• التنوع في المزروعات بناء على الاتفاقيات الموقعة.
• تطوير آليات التعبئة والتغليف والتوضيب.
• تحديد أسعار بيع المنتوجات الزراعية على أساس سعر الكلف الإنتاجية لتكون + 10% كحدٍ أدنى.
• التوسع في الصناعات التحويلية للمنتوجات الزراعية.
• تطوير البحث العلمي لإنتاج البذور والأسمدة والعلاجات.
• التوسع ودعم زراعة الحبوب والأعلاف والبقوليات؛ إذ لا يعقل ونحن الأكثر استهلاكاً للحمص والفول أن نستوردها من الخارج!
أما القطاع الذي لا يقل أهمية عن الزراعة فهو قطاع الصناعة، هذا القطاع يحتاج إلى ما يلي:
• إلغاء كافة الضرائب على مدخلات الإنتاج وتحديد أسعار الطاقة والمياه لهذا القطاع على أساس سعر الكلفة.
• تشجيع وتطوير فتح المؤسسات والورش الصغيرة والمتوسطة من خلال تقديم القروض الميسرة طويلة الأجل بالحد الأدنى من الفوائد.
• إعفاء الصادرات من أيّة ضرائب وخفض كلف الشحن والتصدير إلى الحد الأدنى.
• تقديم دعم مالي حكومي لإنشاء الصناعات الأكثر استهلاكاً والتي تتوفر خاماتها محلياً كالزجاج وألواح الطاقة الشمسية والصلب والنحاس والصناعات الغذائية وغيرها.
• تأسيس مركز بحث علمي لتطوير الصناعة ونقل وتوطين التكنولوجيا الصناعية.
هذين القطاعين وكما القطاعات الأُخرى يحتاجان إلى قطاعٍ ثالث يرفدهما بالعمالة المدربة وهو قطاع التدريب المهني والتقني/ قطاع التعليم والتدريب المهني والتقني، هذا القطاع الذي أُنفق أو أُهدر عليه مئات الملايين لكنه للأسف تراجع وفشل في تحقيق أهدافه وأهمها “خريج مهني/ تقني منافس في سوق العمل المحلي والإقليمي” فعلى مدار أكثر من عقدين من الزمن كانت تأتي وفود وتغادر وفود لتطوير هذا القطاع، إلا أنَّ النتيجة اليوم أن مؤسسة التدريب المهني لا زالت تعمل بالبروقراطية المالية والإدارية الحكومية ولا زال المدرب الذي سيشرف على تدريب الكوادر وفق المعايير الدولية يُعيّن ممن يصطفون في طوابير ديوان الخدمة المدنية!!! ومن يلتحقون بالمؤسسة هم الأضعف تحصيلاً في المدارس الحكومية!
للنهوض بهذا القطاع وخاصة مؤسسة التدريب المهني فهذا يتطلب:
• مؤسسة شبه حكومية ذات نظام مالي وإداري وفني خاص تكون 30% من موازنتها من الخزينة و 70% من صندوق دعم التعليم والتدريب المهني والتقني ومن أرباحها التي ستحققها، شريطة أن تكون هي المسؤؤولة عن إدارة صندوق دعم التعليم والتدريب المهني والتقني ضمن مجاس إدارة 70% من أعضاءه من القطاع الخاص.
• توسيع الروافد المالية للصندق لتشمل بقية القطاعات التي ستستفيد من خدماته التدريبية.
• اعتماد المعايير الدولية للتدريب وهذا يتطلب جهاز فني على درجة عالية من التأهيل والتدريب والخبرة.
• تطوير البرامج التدريبية لتحاكي التطور التكنولوجي الصناعي والتطور المعلوماتي الرقمي.
• اعتماد مبدأ التدريب للتشغيل اعتماداً على الاحتياجات الفعلية لسوق العمل مجاناً للقطاعات المساهمة بالصندوق وعلى أُسس ربحية لبقية القطاعات وللراغبين.
• ترشيق الكادر الإداري للمؤسسة ليكون بحسب الاحتياجات الفعلية لمتطلبات العمل.
• إنشاء وحدة للبيانات والمعلومات والتسويق يتشابك عملها مع وزارة العمل والسفارات الأردنية في الخارج.
• تفعيل قانون تنظيم العمل المهني.
تطوير هذه القطاعات الثلاث هي أهم ركائز وأعمدة بناء الدولة إذا ما توفرت الإرادة لذلك، وإرادة التغيير تتجلى إذا ما بدأت بإصلاحلات دستورية تمهد لتنمية سياسية حقيقية جوهرها وأساسها أن الشعب هو مصدر السلطات، وبخلاف ذلك سنبقى نغني ونصفق ونهيجن لمناسبات وطنية وهمية وإنجازات حكومية سرابية وأموالاً تتطاير لملاذاتٍ آمنة!

اظهر المزيد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى