
“ #الإقتصاد_الأردني يصمد بالإصلاح ويكسب الثقة”
الأستاذ #الدكتور_أمجد_الفاهوم
في زمنٍ تتزايد فيه الضغوط الاقتصادية وتعلو أصوات الشكوى من ضيق المعيشة وارتفاع التكاليف، تأتي إشادة صندوق النقد الدولي بالأردن لتمنح جرعة أمل وثقة، بأن وراء هذا الصبر الطويل خطة واضحة ونتائج بدأت تؤتي ثمارها. فحين يصف الصندوق الاقتصاد الأردني بـ” الصلب والمستقر” رغم العواصف الإقليمية، فإنّ ذلك اعتراف بأن الأردن يسير في طريق الإصلاح الحقيقي، لا المجاملات.
فالخبر ليس مجرد أرقام مالية أو مراجعات فنية، بل هو قصة بلدٍ يواجه التحديات بحكمة ويُصرّ على أن يصنع من أزماته فرصة. فالموافقة الأخيرة من صندوق النقد على المراجعة الرابعة لبرنامج الإصلاح المالي، والمراجعة الأولى لتسهيل الصلابة والاستدامة، تعني ببساطة أن الأردن أوفى بوعوده، وأقنع العالم بأن سياسته الاقتصادية تسير في الاتجاه الصحيح. ومعها سيحصل على دعم مالي يقارب 244 مليون دولار، يُستخدم لتعزيز الخزينة وتحسين كفاءة إدارة المال العام.
لكن الأهم من المال هو الثقة. والثقة لا تُشترى ولا تُمنح مجانًا؛ تُكتسب بالإنجاز والانضباط. ففي هذا اليوم، يتحدث الصندوق عن اقتصاد ينمو بنسبة 2.7٪ في النصف الأول من عام 2025، وعن تضخم لا يتجاوز 2٪، وعن بنكٍ مركزي حافظ على استقرار الدينار وسط اضطرابات عملات عالمية. مما يؤكد بأن هذا الاستقرار المالي ليس رفاهية، بل درع يحمي جيب المواطن من موجات الأسعار التي تجتاح العالم.
ولأن الإصلاح لا يُقاس بالميزانيات فقط، بل بقدرة الناس على العيش الكريم، تمضي الحكومة في خطة إصلاح تدريجية تخفف الدين العام وتوسّع مظلة الحماية الاجتماعية. فخفض الدين إلى 80٪ من الناتج المحلي بحلول عام 2028 ليس هدفاً محاسبياً فحسب، بل خطوة لحماية الأجيال القادمة من عبء الفوائد والديون.
وفي الوقت ذاته، تفتح الإصلاحات الهيكلية الطريق أمام الشباب والنساء نحو فرص عمل جديدة، وتشجع القطاع الخاص على الاستثمار والإنتاج. فالمشاريع الكبرى مثل “الناقل الوطني” ليست مجرد بنية تحتية، بل رموز لتحويل الأزمة إلى عمل وفرصة.
صحيح أنّ الشارع الأردني يعاني، وأن المواطن يريد أن يرى أثر هذه الأرقام في حياته اليومية، لكن الأكيد أن الاقتصاد لا يُبنى بين ليلة وضحاها. فهذه الثمار تحتاج وقتاً لتنضج، ومتابعة جادة لتصل إلى كل بيت. وما يبعث على الطمأنينة أنّ صندوق النقد، وهو من أكثر المؤسسات الدولية صرامة في التقييم، يرى في الأردن نموذجاً للاستقرار والإصلاح المتوازن بين المالية العامة والعدالة الاجتماعية.
وعليه فإن الأردن اليوم لا يعيش على المساعدات، بل على ثقته بنفسه. ووراء كل رقم إيجابي، هناك جهد حكومي، ومواطن صابر، ومؤسسات تعمل رغم الضيق. قد لا تكون الطريق سهلة، لكنها تؤدي إلى مستقبل أكثر أماناً وعدلاً. فالأردن، ببساطة، يثبت أنّ الإصلاح حين يكون نابعاً من إرادة وطنية، لا من إملاء خارجي، فإنه يصبح طريقاً للكرامة والاستقلال، لا عبئاً إضافياً على الناس.