ما هي السياسية الإقتصادية المطلوبة الآن في الأردن على وجه الخصوص والسرعة؟

ما هي #السياسية #الإقتصادية المطلوبة الآن في #الأردن على وجه الخصوص والسرعة؟

الدكتور فائق العكايلة

ما زالت الإقتصاديات العالمية، ومنها #الإقتصاد_الأردني، تترنج بين #التراجع الإقتصادي و #التضخم. إلا أنها لم تقع بعد في مستنقع الركود التضخمي (والذي بات قاب قوسين أو أدنى في ظل استمرار الحرب الروسية – الأوكرانية واستمرار ارتفاع المستوى العام للأسعار والمستويات المرتفعة لأسعار النفط عالمياً).

ولكي يستعيد الإقتصاد عافيته لا بد من إتباع سياسة توسعية مع الأخذ بعين الإعتبار التضخم الجامح الذي ضرب الإقتصاد.

فما هي أدوات السياسة الإقتصادية المطلوب استخدامها لإجراء عملية جراحية طارئة كي يستعيد الإقتصاد الأردني عافيته؟

في جانب السياسة النقدية:

لا يمكن خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو وذلك لأن الإقتصاد يعاني من تضخم جامح بالإضافة لتبعية الدينار الأردني للدولار الأمريكي وتزامن تحركات سعر الفائدة على الدينار مع تلك على الدولار.

كما لا يمكن خفض نسبة الإحتياطي الإجباري لدى البنوك التجارية لأن تلك النسبة المحددة من قبل البنك المركزي الأردني هي منخفضة أصلاً بالمقارنة مع كثير من الدول الشبيهة للأردن إقتصادياً، وذلك لتجنب عدم القدرة على مجابهة مخاطر الإفلاس وتعثر القطاع المصرفي المحتملة.

ما يتبقى من أدوات السياسة النقدية المعمول بها هي عمليات السوق المفتوحة. وهذه الأداة تتضمن إما شراء سندات وأوراق مالية محلية (مقوّمة بالدينار الأردني) وعند أسعار الفائدة المرتفعة نفسها، وإما بيع سندات أجنبية (مقومة بعملات أجنبية صعبة كالدولار أو اليورو أو الجنيه الإسترليني). شراء سندات محلية يعني ضخ نقد (عملة وطنية وهي الدينار) في سوق النقد الأردني، وبالتالي يزيد عرض النقد مما يؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة وتغذية التضخم (الجامح أصلاً) من جديد، لذا فهي سياسة غير فعّالة، بل ضارة.

وهنا لا بد من القول أن الدول تختلف من حيث الأدوات التي يجب تناولها لحل مشاكل النمو والتضخم حسب حاجتها وطبيعتها ومصلحتها وقدرتها ولا يمكن تطبيق نفس السياسة لكل الدول (One size does not fit all ). فمثلاً الأسبوع الماضي، في السعودية قام البنك المركزي السعودي (ساما) بضخ ٥٠ مليار ريالاً في سوق النقد السعودي لتحفيز النمو الإقتصادي. وكان ساما قد اتخذ هذا القرار بأريحية لأن السعودية لا تعاني كالأردن من تضخم جامح، بل لديها تضخم طبيعي وصحي لأن معدل النمو الإقتصادي في الربع الأول ٢٠٢٢ لديها كان ٩.٩٪؜ في حين معدل التضخم كان أقل بكثير من معدل النمو الإقتصادي، وكان ٢.٢٪؜. بينما في الأردن فإن التضخم كان ٤.٩٪؜ مقابل نمو إقتصادي حقيقي لم يتجاوز ٢٪؜.

وعليه، وفي ظل التضخم الجامح الذي يفتك بالإقتصاد الأردني، فإن توظيف السياسة النقدية لتحفيز النمو الإقتصادي هو أمرٌ غير مُجدٍ لأن أدوات تلك السياسة غير فعّالة، لا بل قد تُدمر أكثر مما تبني.

لذا، فإن على الحكومة عاجلاً غير آجلٍ أن تتناول بعض أدوات السياسة المالية، والتي يمكن تلخيصها كما يلي:

في السياسة المالية:

على الحكومة رفع رواتب القطاع العام وحث القطاع الخاص بجدية على اتخاذ نفس الخطوة بنسبة لا تقل عن ٣٠٪؜ لذوي الدخل المتدني و ٢٠٪؜ لذوي الدخل المتوسط فقط دون إحداث أي زيادة على رواتب ذوي الدخل المرتفع. مما يعني زيادة الإنفاق العام والإنتاج والنمو الإقتصادي. وفي هذا الإطار، فإن التضخم الموجود سيتم تمويله بزيادة الأجور التي ستولد إنتاج أعلى ووظائف أكثر.

إن هذه العملية ستقوم بتمويل نفسها، إذ أن النفقات الحكومية التي زادت بسبب اتخاذ هذه السياسة من رفع الرواتب والأجور ستؤدي إلى إنتاج وقيمة مضافة عالية وجديدة ، وهذه القيمة المضافة والإنتاج والدخول الجديدة سيترتب عليها زيادة الضرائب والإيرادات الحكومية المستحقة والتي بدورها ستغطي تلك النفقات الحكومية التي دُفعت على شكل زيادة رواتب وأجور. هذا في القطاع العام. أما في القطاع الخاص فإن الإنتاج والقيمة المضافة والدخول الجديدة ستزيد الطلب على منتجات القطاع الخاص، وبالتالي زيادة أرباحها. فيخرج الجميع رابح من هذه العملية (قطاع العائلات أو المستهلكون والقطاع العام والقطاع الخاص).

وكما تم توضيحه، ستقوم هذه الخطة (وهي أداة السياسة المالية المتمثلة برفع الرواتب والأجور) بتمويل نفسها في كل مراحلها باستثناء المرحلة الأولى (أي في بدايتها). فما هي المصادر التي ستقوم الحكومة من خلالها بتمويل هذه السياسة في مرحلتها الأولى.؟ هناك عدة مصادر لذلك التمويل ، إلا أن أهمها وأكثرها فاعلية وواقعية تتمثل باسترداد مبالغ ضخمة تم نهبها من قبل الفاسدة (جمع فاسد وفاسدة). ولتوضيح هذه الآلية لتحصيل التمويل هذا نبين ما يلي:

هناك ما يقارب ٤٠٠٠٠٠ موظف عام (مدني وعسكري) ومثلها تقريباً في القطاع الخاص. فيصبح المجموع ٨٠٠٠٠٠ موظف تقريباً وكلهم من ذوي الدخول المتوسطةأو المتدنية. سيكون متوسط الزيادة المقترحة على رواتبهم جميعاً هي ما مجموعه تقريباً مليار واحد سنوياً نحتاج تدبيرها.
في المقابل لدينا أكثر من الف متنفع لديه حسابات بمئات الملايين في الخارج في الملاذات الآمنة أو الحسابات الأخرى تم الحصول عليها من أموال الشعب بشكلٍ لا شرعي ودون وجه حق. فلو تم تحصيل مليون من كل واحد منهم منأكبر رأس فيهم إلى أصغر وأس لتم توفير المليار المطلوبة لتمويل مقترح زيادة الرواتب في مرحلته الأولى التي نحتاج لها.

هذا المقترح في السياسة المالية يعمل ونضمن نجاحه تحت فَرَض أنه لن يكون عُرضَة لأي شكل من أشكال الفساد، ودون الحاجة لأي شكلٍ من أشكال خفض الضرائب الحالية.

كما أن هذا المقترح هو العملية الجراحية اللازمة للإقتصاد في الأجل القصير. أما في الأجل المتوسط والأجل الطويل، فهناك سياسات كثيرة ومفتوحة منها ما هو نقدي و/أو مالي و/أو تجاري، أو كما قال جون مينارد كينز : في الأجل الطويل كلنا ميّتون (In the long-run, we are all dead).

مساءكم وطن خالٍ من الفساد والفسدة…

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. رفع الاجور بنسبة كبيرة دون زيادة موازية في الانتاجية ونمو القطاع الانتاجي قد يولد موجة تضخمية جديدة ويضعف التنافسية .

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى