
بين مدينتين
على اطراف شارع الاردن ، تقف نافذتي الصغيرة بزجاجها المشتاق لخطوات المسافرين بين اربد و عمان، لا يهمني باي منهما تنتهي وجهة السفر فكلاهما لها في القلب مستقر و مستودع.
الوان الاضواء تشاغلني و اغصان الاشجار تداعب جفوني ، بينما الوجدان يرتحل مسرعاً ممسكاً بيده حقيبة من الذكريات المعتقة ، تحمل بداخلها اوراقاً من الرسائل العجيبة ، فهي لا تصفرُّ و لا تبلى .
يدلّل نفسه تارة و يهذبها تارةً اخرى ؛ فهوة في مرة يركب سيارة فارهةً و مرةً يستقلُّ حافلة صغيرة، يطلق ناظره في وجوه المسافرين و يصافح بخياله اسرارهم و امتعتهم و ربما بيوتهم ، يربث على اكتافهم بابتسامة تودعهم بانتظار دوره في الوصول ، بعد ان أتمَّ رسم لوحته التي ازدانت بصاحب ” الفوتيك” و المريض العائد من المستشفى الكبير و الفلاح المولع بارضه ، بقمحها و زيتونها او حتى بصلها.
يقف عند الباب و يهُمُّ بالدخول بعد ان القى عن كاهله كل هم و غم ، يعانق نصفه الآخر و يشاطره الضحكة تماماً كما يشاطره الخبز و القهوة .
تتوالى الدقائق و الساعات و بالكاد يردعان شجون احاديثهما ، و يتوسدان فراشاً لا يسأم انفاسهما و يلتحفان بسماء ترقبهما بنجومها و تحنو عليهما بقطرات من ندى صباحها و تبتهل معهما بتسبيح العصافير فيها و صياح الديك مع وقت كل صلاة .
و بعد ان تبتلّ العروق بكوب من الشاي تحليه بهجة الروح بلقاء الاحباب، يصرح القلب بحاجته لاتمام دورته الكبرى و يستأذن الجدان لمرافقته طريق العودة ، فلا يجد الآخر سبيلاً الا لتلبية النداء فالديار ان طلبت اهلها لا اوفى من اجابتها