الإسلام والعلمانية

#الإسلام و #العلمانية
بقلم : د. #هاشم_غرايبه
يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تناقض بين الإسلام والعلمانية، فالعلمانية في فهم العوام أنها نقيض للدين، وفي تخيل المفتونين بها أنها بديل له، وأن ثورة فكرية تقدمية هي التي أوجدتها، وقد يبالغ البعض في إسباغ هالات زاهية لدرجة إلباسها لبوس العقيدة، وتكريسها طوطما مقدسا لا يجرؤ أحد على المجادلة في أنها الطريق القويم.
انبثقت فكرة العلمانية في أوروبا بعد معاناة قرون من تسلط رجال الدين المسيحي (الأكليروس) ومحاربتهم التقدم العلمي، وعندما تحول الإقطاع الى الرأسمالية الصناعية، اصبحت بحاجة الى المكننة لتقليل كلف اليد العاملة، كما أرادت الاستفراد في استغلال الطبقة التي تحورت من الأقنان الى العمال، بقطع المدد الروحي المتمثل بالدين عنهم فاستهدفت الكنيسة، كونها تمثل الدين عندهم، بحجة فصلها عن التدخل في الشؤون العامة للناس (السياسة).
العبارة الأصلية هي (Secularism) ومعناها الدنيوية، لكن المعجبين بها من العرب فضلوا مسمى العلمانية، للإيحاء بأن الدين نقيض للعلم، ثم جاء بعدهم من شذب العبارة، فأصبحت العَلمانية ( بفتح العين بدل كسرها).
بدأت أول تجربة للعلمانية العربية في مصر إبان الاحتلال البريطاني، فتكون أول كيان سياسي علماني عام 1919 تحت اسم” الحزب العلماني”، ولتجنب الرفض الشعبي غير اسمه فيما بعد إلى حزب الوفد، وبعد ذلك تمكن الغرب من فرض العلمانية منهجا ثابتا لكل أنظمة الحكم العربية بلا استثناء حتى الآن، على الرغم من إعلان أغلبها أنها إسلامية، لكن الحقيقة أنها جميعها لا تحكم وفق الشريعة، والتي ليست أكثر من مادة مدونة في الدستور وتقول أن دين الدولة الإسلام.
يجب أن نعترف بأن الحركة الإبداعية للمفكرين في الدولة الإسلامية، اشتمل على جميع الميادين ما عدا البحث في نظام الحكم، فرغم ترجمة ومناقشة البحوث الفلسفية والعلمية التي جاء بها الإغريق وسواهم، لكن لم يتم الإلتفات الى مقولاتهم في أسلوب الحكم الديمقراطي، لا شك أن السبب الأساسي هو الحكام أنفسهم الذين استطابوا منهج الحكم الوراثي، ولم يسمحوا بطرح أسلوب آخر كالإنتخاب، رغم مرونة تشريعات الدين وعدم وجود نصوص تحدد اسلوب اختيار رجال السلطة، فبقي الأسلوب هو البيعة الذي لا يعدو فرض الأمر الواقع.
ليس مفاجئا القول بأن الإسلام وضع أسس النظام العلماني، قبل أن يتوصل اليها الغرب بثلاثة عشر قرنا، وأكبر دليل هي وثيقة المدينة، التي كفلت حق المواطنة للجميع بغض النظر عن عقيدتهم.
بالقطع الدولة الإسلامية ليست دينية، إذ ليس هنالك رجال دين في الإسلام، بل علماء ومجتهدون ليس لهم سلطة، وبالطبع ليست هنالك مراتب ومناصب دينية، وبالتالي لا توجد مؤسسة لاهوتية يرجع إليها في الدين، فالتعمق في العلوم المتعلقة بالدين متاح لأي شخص ويسمى مجتهدا، أي له رأي قد يكون مقنعا لكنه غير ملزم.
وبما أنه لكل مجتهد رأيه وفقهه، وقد لا يتفقون في كثير من الآراء، فلا يمكن أن يشكلوا جماعة ضاغطة أو طبقة متماثلة المصالح، ولا يملكون سلطة على أحد .. إذن فلا يوجد (أكليروس) في الإسلام .. وعليه سقط المبرر الأول للعلمانية.
أما عن كفالة المساواة بين المواطنين وضمان حقوق الإنسان، فهذا متحقق بدلالة الآية الكريمة التي تمثل مباديء الدستور: “يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير” [الحجرات:13] فقد تضمنت جميع المباديء المبتغاة:
(1) المخاطبة للناس جميعا وليس للمسلمين فقط أي حق المواطنة للجميع.
(2) عدم التمييز بناء على العرق واللون، فالكل من أصل واحد.
3) حدد الناس بالذكر والأنثى أي عدم التمييز على أساس “الجندرية”.
(4) احترام التعددية في الإنتماءات العرقية والقومية، والتفاضل محكوم بتقديم الخير للآخرين.
(5) الهدف من التعددية التعاون والعمل المشترك وليس الصراع الطبقي التناحري بهدف السيطرة على الآخر.
وبعد، هل بعد كل هذا الذي بينّاه يبقى من مبرر للعلمانية؟ .. هل يتحقق منها خير للإنسان أكثر مما يحققه تطبيق الإسلام باحترام حقوق الإنسان وفقا لهذه المبادئ الخمسة؟.
وإذا ألا يجدر بدعاة العلمانية عداءً للإسلام، التوقف لحظة للمراجعة المتفحصة له، بدلا من اتخاذ الموقف العدائي المسبق منه؟.

يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تناقض بين الإسلام والعلمانية، فالعلمانية في فهم العوام أنها نقيض للدين، وفي تخيل المفتونين بها أنها بديل له، وأن ثورة فكرية تقدمية هي التي أوجدتها، وقد يبالغ البعض في إسباغ هالات زاهية لدرجة إلباسها لبوس العقيدة، وتكريسها طوطما مقدسا لا يجرؤ أحد على المجادلة في أنها الطريق القويم.
انبثقت فكرة العلمانية في أوروبا بعد معاناة قرون من تسلط رجال الدين المسيحي (الأكليروس) ومحاربتهم التقدم العلمي، وعندما تحول الإقطاع الى الرأسمالية الصناعية، اصبحت بحاجة الى المكننة لتقليل كلف اليد العاملة، كما أرادت الاستفراد في استغلال الطبقة التي تحورت من الأقنان الى العمال، بقطع المدد الروحي المتمثل بالدين عنهم فاستهدفت الكنيسة، كونها تمثل الدين عندهم، بحجة فصلها عن التدخل في الشؤون العامة للناس (السياسة).
العبارة الأصلية هي (Secularism) ومعناها الدنيوية، لكن المعجبين بها من العرب فضلوا مسمى العلمانية، للإيحاء بأن الدين نقيض للعلم، ثم جاء بعدهم من شذب العبارة، فأصبحت العَلمانية ( بفتح العين بدل كسرها).
بدأت أول تجربة للعلمانية العربية في مصر إبان الاحتلال البريطاني، فتكون أول كيان سياسي علماني عام 1919 تحت اسم” الحزب العلماني”، ولتجنب الرفض الشعبي غير اسمه فيما بعد إلى حزب الوفد، وبعد ذلك تمكن الغرب من فرض العلمانية منهجا ثابتا لكل أنظمة الحكم العربية بلا استثناء حتى الآن، على الرغم من إعلان أغلبها أنها إسلامية، لكن الحقيقة أنها جميعها لا تحكم وفق الشريعة، والتي ليست أكثر من مادة مدونة في الدستور وتقول أن دين الدولة الإسلام.
يجب أن نعترف بأن الحركة الإبداعية للمفكرين في الدولة الإسلامية، اشتمل على جميع الميادين ما عدا البحث في نظام الحكم، فرغم ترجمة ومناقشة البحوث الفلسفية والعلمية التي جاء بها الإغريق وسواهم، لكن لم يتم الإلتفات الى مقولاتهم في أسلوب الحكم الديمقراطي، لا شك أن السبب الأساسي هو الحكام أنفسهم الذين استطابوا منهج الحكم الوراثي، ولم يسمحوا بطرح أسلوب آخر كالإنتخاب، رغم مرونة تشريعات الدين وعدم وجود نصوص تحدد اسلوب اختيار رجال السلطة، فبقي الأسلوب هو البيعة الذي لا يعدو فرض الأمر الواقع.
ليس مفاجئا القول بأن الإسلام وضع أسس النظام العلماني، قبل أن يتوصل اليها الغرب بثلاثة عشر قرنا، وأكبر دليل هي وثيقة المدينة، التي كفلت حق المواطنة للجميع بغض النظر عن عقيدتهم.
بالقطع الدولة الإسلامية ليست دينية، إذ ليس هنالك رجال دين في الإسلام، بل علماء ومجتهدون ليس لهم سلطة، وبالطبع ليست هنالك مراتب ومناصب دينية، وبالتالي لا توجد مؤسسة لاهوتية يرجع إليها في الدين، فالتعمق في العلوم المتعلقة بالدين متاح لأي شخص ويسمى مجتهدا، أي له رأي قد يكون مقنعا لكنه غير ملزم.
وبما أنه لكل مجتهد رأيه وفقهه، وقد لا يتفقون في كثير من الآراء، فلا يمكن أن يشكلوا جماعة ضاغطة أو طبقة متماثلة المصالح، ولا يملكون سلطة على أحد .. إذن فلا يوجد (أكليروس) في الإسلام .. وعليه سقط المبرر الأول للعلمانية.
أما عن كفالة المساواة بين المواطنين وضمان حقوق الإنسان، فهذا متحقق بدلالة الآية الكريمة التي تمثل مباديء الدستور: “يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير” [الحجرات:13] فقد تضمنت جميع المباديء المبتغاة:
(1) المخاطبة للناس جميعا وليس للمسلمين فقط أي حق المواطنة للجميع.
(2) عدم التمييز بناء على العرق واللون، فالكل من أصل واحد.
3) حدد الناس بالذكر والأنثى أي عدم التمييز على أساس “الجندرية”.
(4) احترام التعددية في الإنتماءات العرقية والقومية، والتفاضل محكوم بتقديم الخير للآخرين.
(5) الهدف من التعددية التعاون والعمل المشترك وليس الصراع الطبقي التناحري بهدف السيطرة على الآخر.
وبعد، هل بعد كل هذا الذي بينّاه يبقى من مبرر للعلمانية؟ .. هل يتحقق منها خير للإنسان أكثر مما يحققه تطبيق الإسلام باحترام حقوق الإنسان وفقا لهذه المبادئ الخمسة؟.
وإذا ألا يجدر بدعاة العلمانية عداءً للإسلام، التوقف لحظة للمراجعة المتفحصة له، بدلا من اتخاذ الموقف العدائي المسبق منه؟.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى