حَبَتي وفيل دوستويفسكي / فراس الطلافحه

حَبَتي وفيل دوستويفسكي
يقول الكاتب الروسي الشهير ( فيودور دوستويفسكي ) صحيح أنني سوداوي المزاج وأجعل من النملة فيلاً ولكن والحق يُقال .. كانت النملة في ذلك اليوم تشبه الفيل كل الشبه .
صديقي فيودور لطالما حاورتك وجلسنا معاً الساعات الطوال نتحدث من خلالها بِكُتبك ورواياتك الجميله أمثال الجريمه والعقاب والإخوه كارامازوف وغيرها وكم أدهشتني كمية الإحباط واليأس التي كنت تعيشها من خلال مؤلفاتك الجميله لِتصور لي حياتك وكأنك كنت تعيش على حافية الهاويه وعلى شرفة جبل تتمنى لو أنه ينهار بك ولا ألومك حقيقة فلقد ولدت لأبٍ قاسي مدمن على الكحول سريع الغضب وأعلم معاناتك مع مرض الصرع الذي أصبت به وبقي ملازماً لك والكثير من الحوادث التي أنهكتك من فقدانك لوالدتك إلى الحكم عليك بالإعدام لكونك من جماعة الفكر المتحرر والتي إعتقد القيصر أنذاك تسار نيكولاس أنها من الممكن أن تهدد حُكمه فتجيئ مشيئة الله عند البدء بتنفيذ حكم الإعدام بالعفو الملكي ليُستَبدَل بالسجن لمدة أربعة سنوات مع منعك من الكتابه فأمضيت مدة الحُكم بظروف قذره ولا إنسانيه , نعم صحيح لقد عانيتَ كثيراً وربما بكيت وحتى من الممكن أن تكون قد راودتك فكرة الإنتحار وأنت القائل في إحدى رواياتك القوه هي أن تقتل تلك الرغبه لديك بالإنتحار , تأكد صديقي لو لم تكن تلك المعاناه وتلك السوداويه التي تستوطن نفسك لما أنتجت لنا تلك الروايات الجميله والتي جعلت منك كاتباً فريداً تحاكي النفس وخلجاتها وما يدور بداخلها بشكل إنساني مدهش تجعلنا ونحن نقرأُها نعيش بداخلها ونتقمصها فَكُنت بحق واحداً من أعظم الكُتاب الروس والعالميين ومصدر الإلهام للأدباء والمفكريين المعاصرين وربما يُحسب لك أنك من مؤسسي الفكر الوجودي الذي يعنى بحرية الفكر وعدم تقييده .
أنا ياصديقي لا أجعل من الحَبَةِ قُبه كما تفعل أنت بل أُبسط القُبه لتبدو كالحبه في الحجم فلا تُشغل بالي ولا أُفرد لها ذاك الحيز الكبير من التفكير فأعيش بها وأبقى أسيراً لها , الحياةُ ياصديقي لا تستقيم لأحد ولا تضحك لنا دائماً ولعبتنا معها كلعبة عض الإصبع فلا بد أن نصبر على الألم ونعيش به فيأتي الإنفراج بلحظه كما هي لحظة العفوعنك عند البدء بتنفيذ حكم الإعدام .
ياصديقي كل ما شاهدته بحياتك وأشاهده الأن في حياتي من حُروبٍ ودمار وقتلٍ وظُلم وتَعدي وإنتقام ماهي إلا رُدود أفعالٍ حمقاء كانوا أصحابها يرون كما كنت ترى النِملة فيلاً بحجمها فأشعلت تلك النَمله النارَ في صدورهم فَجعلت منهم وحوشاً بشريه ساديه متعطشه للقتل ولم يرتوي ظمأهم إلا بالدم وياليت نِملَتَهُم كانت كَنِملتك التي أشعلت لنا هذا الأدب الراقي الجميل والذي أحياكَ بعد مماتك وعشنا معه بكل تفاصيله .
آه ياصديقي لو تعلم كم هم المعذبون في الأرض الآن وكم هم من لفظتهم الحياة ليعيشوا على قارعة الطريق منسيين من كل قرار يؤخذ , هُم كبيوت خاويه خَرِبه وكأعجاز نخلٍ خاويه بمهب الريح تتقاذفها أمواج الحاجه وتصاريف الزمن وأهواء الدنيا وتقلباتها التي أتعَبَت فيهم الروح والجسد ليحتضنهم الإكتئاب والإرهاب ليموتوا به فكم أتمنى منك الآن لو تُخبرهم كيف إستطعت قَهر آلامك وتَجبير كسورك وكيف هزمت الإحباط بداخلك علهم يتأسوا بك فَيُنتِجوا لنا شِِعرٌ راقٍ وأدبِ جميل .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى