الأخلاق والدين / د. هاشم غرايبه

الأخلاق والدين

يطيب كثيرا لبعض (اللادينيين)، اكتشاف عيوب في أخلاق المسلمين، وأكثر ما يكونون طربا إذا ما وقع شخص ملتحٍ في شبهة أخلاقية، إذ يسارعون في نقلها مخلوطة ببعض الإضافات المشوقة، فيرقص أشياعهم فرحا بهذا الصيد الثمين فهو يعزز نظريتهم:” ألم نقل لكم من قبل أن هؤلاء يتاجرون بالدين، هم يتظاهرون بالتقوى لإخفاء شرور أنفسهم، نحن فقط أصحاب الأخلاق الرفيعة، لذلك لسنا بحاجة الى الدين ليقوّم نفوسنا !”.
طبعا التدين ليس جرعة من المصل يتناولها المرء طفلاً فتقيه طوال حياته من الإصابة بأمراض عضال، بل هو أشبه بتمارين اللياقة التي تقوي الجسم ما دام مواظبا عليها، هي على الغالب الأعم مفيدة للجسم وتقيه من كثير من الأمراض الخطرة، لكن إن أصيب من يمارسها بحادث سير، فلا نقول إن الرياضة لا جدوى منها، وأنها لا تحافظ على صحة الإنسان.
أخلاق الإنسان الكريمة تأتي أصلا فطرية، وتنقص وتزداد بالتربية والبيئة، لكن ما يعاكس الإنضباط بها هي نوازع النفس(الأنانية والشهوانية) والتي هي منتج مباشر لغريزة حب البقاء والحفاظ على الحياة، فالظروف المعاكسة أقوى بكثير من المعززة، لذلك كانت نسبة الملتزمين بالخلق الرفيع ضئيلة.
الدين جاء ليتمم مكارم الأخلاق، إذن فهوعامل معزز إيجابي، لكن تأثيره متباين حسب إيمان المرء وفهمه وظروفه.
لذلك لا صحة للفكرة القائلة ان الأوروبيين ملتزمون بالأخلاق أكثر من المسلمين، هذا لا يستند الى مقياس علمي، بل هو انطباع بسبب انضباطهم بالقانون، نتيجة ثقتهم بعدالة وإخلاص حكامهم، فليس من ضرورة (للفهلوة) أوالنفاق، لأن حقوق الجميع محفوظة بالتساوي.
في مجتمعاتنا، أمراضنا الإجتماعية التي ولدتها أنظمة فاشلة فاسدة، تفسد كل المقاييس، فنحن كمن كان مصابا بالحمى، لا ينفع قياس درجة حرارته أو ضغط دمه أوعدد دقات قلبه ، فلن تجد قراءة أي منها صحيحة.
أحد الأعراض الملازمة لمن أصابته عاهة الإسلاموفوبيا، هي الحَوَل الفكري، وهي حالة تتلخص في عدم القدرة على الرؤية السليمة فهو لا يرى إلا نصف الحقيقة، ولا يهتم إلا بالتنقيب عن الجوانب التي يعتقد أنها تقلل من فضل الدين.
أحد هؤلاء ممن يحتلون أعمدة يومية في صحافتنا الموظفة في استثمارات الحرب على الإرهاب، كتب عما أسماه أوهام العمل الخيري الإسلامي، مستندا الى إحصاءات غربية عن أن حجم الإنفاق على العمل الخيري في الغرب أكثر بكثير من الدول الإسلامية.
بالطبع هو تعامى ( بدافع من حَوَلِهِ)عن أن تعريف العمل الخيري في الغرب مختلف تماما عما هو في الإسلام، فهم يعتبرون التبرعات للمنظمات غير الحكومية ومراكز الأبحاث فعل خير، في حين هذه المنظمات هي واجهات لجمع المعلومات الإستخبارية بدليل الإشراف عليها من مؤسسة “راند” وغيرها.
كما أن الشركات الكبرى بحكم قوانينهم ملزمة بتخصيص نسبة من ميزانيتها لأغراض دعم الأبحاث (العلمية)، كما أنهم يعتبرون البعثات التبشيرية، وبعثات التنقيب عن الكنوز الأثرية لنهبها، ومراكز الإستطلاع الإستخبارية، أعمالا خيرية، وتضطر أحيانا الى تخصيص جزء للتبرع لهيئات الإغاثة الدولية لتقليل نسبة اقتطاع ضريبة الدخل، وتشجعها الحكومات على ذلك لأن هذه المساهمة مفروضة على الدولة من قبل الأمم المتحدة، وهي من ناحية أخرى أداة ضغط سياسي، فتستغلها الدولة لتحسين وضعها التجاري مع تلك الدولة الممنوحة.
إن عمل الخير هو مصطلح ديني بحت، ونفع الآخرين هو صميم الفعل اليومي للدين، وهو الوسيلة الرئيسة للتقرب الى الله، فالعبادات تحتسب بمقدارها أما أعمال الإحسان إلى الغير فمردودها تصاعدي تبدأ بعشرة أمثالها لتصل الى سبعماية ضعف وأكثر.
صحيح أن الدافع لفعل الخير عند الإنسان فطري، لكن الليبرالية عظّمت قيم الكسب والربح فقزمت الدوافع الإنسانية الى أدنى حد، الدين يفعل العكس تماما.
وفي جميع الأحوال، وحسب المثل الإنجليزي:”ليس هنالك عشاء مجاني، هنالك من سيدفع بطريقة أو بأخرى” لذلك فليس هنالك عمل خير يفعله الإنسان بدفع من كرم أخلاقه، فالذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر لا يفعله إلا ليحقق له مردودا أكبر مما كلفه، أما المؤمن فالدافع رضا الخالق وثوابه، وافتداء لنفسه من غضبه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى