اقتصادنا الوطني: واقعٌ صعب، ومستقبل طامح…

#اقتصادنا_الوطني: واقعٌ #صعب، ومستقبل طامح…

   #محمود_عدنان_المعايطة

        يصعب طرح موضوع عام يتناول اقتصادنا الوطني الأردني، دون تردّد مبرَّر مشروع.. وهذا التردّد مصادره عديدة. فمن جهة، تتعدّد المحاور وعلاقات الأسباب والنتائج، ومعها معالم الحلول، والآفاق، وما يتّصل بكل ذلك من ضرورات الاستناد إلى الوقائع والبيانات الاقتصادية الموضوعية، ذات المصداقية، أملاً في الوصول إلى تحليل هادئ رصين، بعيدًا عن الردح أو التغنّي! ومن جهة أخرى، يسهل الإغراق في السوداوية، بوجود ما يكفي ويزيد من الوقائع والمؤشرات والمعطيات، وهي سوداويةٌ تميل بطبيعتها إلى تحيّز مفهوم لكلّ ما هو سلبيّ وضاغط، خاصة عندما تقول الوقائع إن “الوضع بين صعب إلى في غاية الصعوبة”، وعندما لا يرى المواطن تحسّنًا في مقوّمات حياته، مهما قالت الأرقام، ومهما كثُرت دعوات التفاؤل… وفي النظرة المتفائلة إلى المستقبل، يكون المطلوب مقوّمات مركزية، صار يصعب على المواطن المرهق بمصاعب الحياة وضنَك العيش، المراهنة على فاعليتها ونجاحها، بعد تجارب كثيرة وممتدة “غير مشجّعة”، ومحبطة في كثير من الأحيان.

        ومع كلّ ذلك، يمكن السير على حبل الحذر، وتناول موضوع اقتصادنا الوطني، في أعمّ الملامح، بالاستناد إلى ما هو متوافر من معطيات راهنة، وتجارب سابقة، واللجوء إلى ما أمكن من الموضوعية في محاولة رؤية معالم الطريق. وفي ذلك، لعلّ بالإمكان اللجوء إلى بساطة نسبية، تتحدّد بها أبرز وجوه الإنجاز، وأبرز المشكلات والمعضلات، ثمّ محاولة إجمال الملامح المستقبلية.   

مقالات ذات صلة

        في المشهد الاقتصادي الأردني الراهن، وبعد انحسار جائحة كورونا وآثارها، وبالرغم من تبعات الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا (المدعومة بالكامل من المعسكر الغربي وحلف شمال الأطلسي – الناتو)، لا يزال الاقتصاد الأردني يحتفظ بتصنيف “بي/بي +”، في تصنيف وكالة “ستاندرد اند بورز غلوبال” للتصنيف الائتماني. وظهر تحسن في النصف الأول للعام الحالي 2023، في الصادرات الوطنية والدخل السياحي على وجه الخصوص. كما نجح الاقتصاد الوطني في السير باتجاه النمو الإيجابي منذ بداية العام الحالي (2023)، وتمكّنت المملكة من الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي. كما نما الناتج المحلي الإجمالي بأسعار السوق الثابتة في الربع الأول من هذا العام بنسبة 2.8 بالمائة، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. وتمكنت إدارات الدولة من الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، وبرزت مقدرة السياسات النقدية في الحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار، بعكس واقع عملات أخرى عربية وغير عربية تتعرض لضغوط تضخمية كبرى، وتمّ الحفاظ على جاذبية الودائع بالدينار الأردني، إضافة إلى الاحتفاظ باحتياطيات مناسبة من العملات الأجنبية. ولأن الدينار الأردني مرتبط بالدولار الأميركي، رفع البنك المركزي الأردني أسعار الفائدة عدة مرات، على وقع رفع الفيدرالي الأميركي لنسبة الفائدة لكبح جماح التضخم. ومع أن نسبة البطالة لا تزال مرتفعة جدا، إلاّ أنها انخفضت خلال الربع الأول من العام الحالي بمقدار 0.9 نقطة مئوية، وعن الربع الأخير من العام الماضي بانخفاض مقداره 1.0 نقطة مئوية، لتصل إلى 21.9 بالمائة.   

        وكان مريحا للأردنيين جميعًا ما حققه الدخل السياحي خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، حيث ارتفع بنسبة 68.4% وبلغ 2,826 مليار دولار. وشهد الاقتصاد الوطني ارتفاع صادرات الصناعات التعدينية، مثل الفوسفات والبوتاس والأسمدة والبرومين، إضافة إلى صناعة الأجهزة والألبسة وتوابعها. وقطعت وزارة الزراعة شوطا كبيرا في مجال التصنيع الغذائي، وتفعيل مبادرة حكومية تتضمن تمويل الراغبين بالاستثمار في التصنيع الغذائي بالمدن الصناعية لمدة 5 سنوات. ومن القطاعات التي بدأت تشهد نموا في الفترة الأخيرة قطاع الاقتصاد الرقمي، وهو قطاع واعد، كما حقّقت قطاعات أخرى عديدة نتائج جيدة نسبيا.

        ومع كل ذلك، لا تزال المؤشرات الرئيسية للاقتصاد الوطني، وفي محاور بالغة الحساسية، في وضع غير مُرضٍ أبدا. ولعلّ مشروعات الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي تتطلّع مجتمعة إلى مواجهة هذه الحالة العامة الممتدة عبر أكثر من 15 سنة.  

        إن نقطة الانطلاق في مواجهة المعضلات الاقتصادية تتمثّل في رفع معدّلات نموّ الناتج المحلي الإجمالي، التي تراوح مكانها منذ فترة ليست بالقصيرة بين 2% و2.5%، وهي أقل بكثير من الحاجة إلى معدلات 5% – 6% أو أكثر، بما ينعكس إيجابا على حياة المواطنين ومستوى معيشتهم، إذا ما كان توزيع الثروة عادلا، ولو في حدود معقولة. ومثل هذا النمو يتطلب زيادة الاستثمار بكل أنواعه، وخاصة الاستثمار كثيف الاستخدام لرأس المال البشري، وبناء البيئة التشريعية والإدارية المحفّزة لذلك. ولأن البطالة وتدني معدلات النمو الاقتصادي عاملان رئيسان لارتفاع معدلات الفقر، يتّضح مصدر ارتفاع معدلات الفقر والبطالة منذ العام 2008. فرفع معدّلات نمو الناتج المحلي الإجمالي يطوّر مستوى فاعلية العمل في مواجهة الفقر والبطالة، ويقلّل من الآثار القاسية للتضخم وارتفاع الأسعار، وخصوصا على الفئات الأقلّ دخلاً. وحسب وزير المالية محمد العسعس، من المتوقع أن يبلغ معدل التضخم في البلاد إلى 3.8% بالمئة خلال هذا العام، في حين لا ترتفع الرواتب والأجور، بل وتتراجع في كثير من الأحيان، فيما التضخم وارتفاع الأسعار يأكل الرواتب والأجور باستمرار.  

        ومن المعضلات الكبرى المرتبطة مباشرة بانخفاض معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، عجز الموازنة المتكرر والمديونية المتسارعة التي تجاوزت حجم الناتج المحلي الإجمالي، وبلغت حتى نهاية شهر أيار الماضي نحو 56 مليار دولار أميركي، أي أكثر من 115% من الناتج المحلي الإجمالي.

        وفي هذا الإطار، أثارتقرير حديث للبنك الدولي يرصد تصنيفات اقتصادات الدول حسب مستوى الدخل عن تخفيض تصنيف الأردن من “اقتصاد ذي دخل متوسط مرتفع” إلى “اقتصاد ذي دخل متوسط منخفض”، في تراجع مؤسف، بعد الحفاظ على مدار السنوات الست الماضية على تصنيف الاقتصاد الأردني كاقتصاد ذو دخل متوسط مرتفع، خاصة وأن الأردن هو البلد الوحيد الذي شهد تخفيضا لتصنيفه من متوسط مرتفع إلى متوسط منخفض. وهذا التخفيض يعبر عن تراجع المستوى المعيشي للمواطنين وحصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، المتأتّي أيضا من ارتفاع عدد سكان المملكة خلال العقد الأخير، إضافة إلى تواضع معدلات النمو الاقتصادي وثبات الأجور وتآكلها في ظل ارتفاع التضخم.

        إن هذا المشهد العام المقدّم باقتضاب وتكثيف، لا يحجب حقائق عناصر القوّة والتميّز التي يمكن أن تشكّل روافع صلبة للاقتصاد الوطني الأردني. فإلى جانب الموقع، والمقدرات، هناك مجتمع شاب متعلّم، يستطيع تحقيق طفرات حقيقية في بناء اقتصاد معرفي يسير مع أبرز ما تقدمه منتجات الحضارة المعاصرة. وهناك إرادة سياسية تعمل على إنجاح الرؤية الاقتصادية، وهناك عمل على إصلاحات إدارية وتشريعية جادّة مشجعة وقادرة على بناء بيئة أعمال منافسة وعصرية. ولكن الخوف كلّ الخوف من اجتزاء العمليات المتكاملة بطبيعتها، والتعامل الخطأ معها كما لو أنها منعزلة وضعيفة التأثّر والتأثير فيما بينها. فكل الإرادة السياسية، وأفضل الخطط الاقتصادية، وخيرة المتاح في العصر، قد “تتهاوى” أمام جهل موظّف أو سوء إدارة أو بيروقراطية أو عنجهية، وأحسن النيّات لا تلغي دور التشريعات الملائمة، وأفضل السياسات الاقتصادية والتشريعات والإدارات لا تغني عن وجود نية مخلصة للعمل والإصرار على النجاح..

        إن رؤية التحديث الاقتصادي “كائن” مركّب، ينمو ويتطوّر بالاستفادة من الخبرات والمعارف الذاتية وخبرات الآخرين ومعارفهم… والاقتصاد الوطني الأردني يملك من مقومات التميّز والنجاح ما يجعل مستقبله واعدا مشرقا. وبين واقع “الصعوبة” ومستقبل “الطموح”، يأتي حدّ العمل المستند إلى العلم والوعي والمعرفة والإخلاص.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى