اعمال شغب وعصيان مدني وعنف مُجتمعي

اعمال شغب وعصيان مدني وعنف مُجتمعي ……الى اين نحن سائرون!
دكتورة مجد القبالين
دكتوراه علم اجتماع / علم الجريمة

ارتفعت وتيرة اعمال العنف المُجتمعي في الاردن خلال الايام القليلة الماضية وآخرها كان امس يوم الجمعة الموافق ٢٣ اغسطس مساءاً في لواء الرمثا جراء الاعتراض من قبل الكثيرون من ابناء الشعب الاردني على منع الحكومة الاردنية ادخال اكثر من كروز دخان واحد للأردن ، ومن يُدخِل اكثر من كروز دخان واحد اعتباره مُهرباً ، والتهريب جريمة يُعاقب عليها القانون .
وتمثلت اعمال العنف تلك بإحراق الاطارات واغلاق الطرُق ، وشهدت المُحافظة حالة غضب من قبل ابناء الشعب الاردني في مُحافظة الرمثا؛ بسبب هذا القرار الصادر من الحكومة.
وبتحليلي العلمي لهذه الحادثة ارى انها مؤشراً واضحاً وخطيراً في نفس الوقت على وجود خلل كبير في العلاقة بين الحكومة والشعب وتلك العلاقة بمرور الايام اخذت منحى الصراع وتصاعد احداث العُنف بسبب إقرار قوانين كثيرة بعُضها مُتعلِق برفع ضرائب وبعُضها الآخر مُتعلق برفع اسعار سلع غذائية ، وحديثاً منع دخول اكثر من كروز دُخان واحد ؛ لأن الكثيرون يسترزقون من تجارة الدُخان، وإقرار الحكومة لهذا القرار وتطبيقه يُعتبر بمثابة قطع ارزاق للكثير من ابناء الشعب الاردني بالنسبة لهُم خصوصاً في ظل سوء الاوضاع الاقتصادية على اعتبار ان الدُخان سلعة مُستهلكة يومياً وبكثرة خصوصاً مع ارتفاع نسبة المُدخنين في الاردن ، حيث جاء تقرير مُنظمة الصحة العالمية بتصنيف الاردن الاول في المنطقة العربية من حيث نسبة المُدخنين والثالث عالمياً وفقاً لمُدير مركز الحُسين للسرطان الدكتور عاصم منصور ، ولأن تجارة الدخان أصبحت تمثل مصدر رزق للكثيرون ادى ذلك إلى زيادة حالة الاحتقان بين الشعب والحكومة ووجود ازمة ثقة مُستفحِلة بينهما.
والسؤال المهم هنا هل تهريب الدخان ظهر مؤخرا ام انه موجود قديما ! فاذا كان من يهربون الدُخان يهربونه منذ فترة طويلة لماذا لم تلتفت الحكومة لهذا السلوك الا الآن وفي الفترة الحالية فقط ؟ ولماذا اعطت مُهربي الدخان الحق بذلك ومنحتهم حُرية التصرُف ثم بعد ذلك قالت لهم (لا ممنوع وهذا السلوك يُمثِل جريمة يُعاقِب عليه القانون) ، خصوصاً ان الكثير من مهربي الدُخان اصبحت هذه المهنة بالنسبة لهم تجارة ومصدر رزق لهم ولعائلاتهم.
فاذا اين الخلل تحديداً !
ان تخبُط الحكومة في وضع القوانين وتطبيقها احد اهم اسباب رفض الكثير من افراد الشعب لتلك القوانين والامر لا يتجاوز لرفضها فحسب وانما يتجاوز ذلك ليصل الى مرحلة التمرُد والعصيان وعدم احترام دولة القانون وعدم الرغبة بالخضوع لسيادة القانون.
البعض قد يقول لماذا تُنافس الحكومة الشعب على مصادر رزقهم وتحاول قطع ارزاقهم ، ولكن السؤالين المُهمين هنا الموجهان للشعب والحكومة معاً اليس هُنالك قوانين وتشريعات من الواجب احترامُها من قبل الافراد ؟
ولكن في نفس الوقت اليس من واجب الحكومة تطبيق العدالة الاجتماعية وسيادة القانون لفرض هيبته وتعزيز قيم احترام دولة القانون التي دائما نتكلم عنها ؛ لتعزيز ثقة الشعب بها ؟
لقد وصلت العلاقة بين الشعب والحكومة الى مرحلة التمرُد والصراع والعصيان المُتأزِم وخصوصاً عندما يتم ترجمة هذا العصيان الى اعمال عُنف وشغب وليس عصيان سلمي ، وعدم قبول القوانين ورفضها وعدم احترام الحكومة لمطالب الشعب و(الاستضراط) بهم ، واعمال العُنف المُجتمعي المُتكرِرة تلك مؤخراً جاءت بسبب اهمال الحكومة لمطالب الشعب المُتكررة والمُتراكِمة فأصبحت ازمة الثقة ليست وليدة اللحظة بين الشعب والحكومة وانما مُتراكِمة مع الوقت مع كثرة خيبات امل الشعب بالحكومة وقراراتها وعدم تحسين الاوضاع والاكتفاء فقط برفع الضرائب والاسعار وعدم الاستجابة لمطالب الشعب وتضييق الخناق عليهم واعطاء الوعود الهُلامية التي لا تمت للواقع بأي صلة لدرجة ان الشعب وصل إلى قناعة مفادها أن الحكومة تلاحقهم بقوت يومهم ومصدر رزقهم وعيشهم وأصبحت الحكومة تنتهج سياسة التجويع وتكميم الأفواه وتكميم الأفواه يشمل الأرزاق وحرية التعبير عن الرأي ولكن بالتأكيد بشكل سلمي.
ان عدم احترام الحكومة لمطالب الشعب يولد عدم احترام الشعب للقوانين التي تقرها الحكومة ورفض تلك القوانين بعُنف فهُنا تنطبق على المشهد حالة ان الضغط يولد الانفجار.
وفي الختام……………….
ان كل ما حصل وما يحصل وما سوف يحصل في مُقبل الايام لا ينذر بخير ابداً لا على الشعب ولا على الحكومة ولا على امن الوطن وسلمه المُجتمعي…….
لا بُد من الوقوف وقفة جادة من قبل الحكومة والجهات الأمنية والشعب نفسه لاستيعاب الموقف وامتصاصه واعادة النظر بما يجري وتصحيح مسار البوصلة التي انحرف مسارها ، ولا بد من اعادة تذكير ابناء الشعب الاردني بما يُكاد للوطن من مؤامرات هدفها زعزعة امنه واستقراره خصوصا ان الأردن يعيش وسط إقليم ملتهب أشبه بالحزام الناسف.
من حق الحكومة ان تضع القوانين والانظمة وتُطبقها طالما انها تخدم مصلحة الوطن والشعب ومن واجب الشعب احترام تلك القوانين ……. ولكن ايضاً في نفس الوقت من حق الشعب على الحكومة ان تكون صادقة معه وعادلة في تطبيق القوانين والانظمة ، فغياب العدالة الاجتماعية وغياب سيادة القانون يُمثِل ضربة قاضية للعلاقة بين الشعب والحكومة وضربة قاضية لأمن المُجتمع واستقراره وامنه وسلمه المُجتمعي ، الحكومة اليوم منعت تهريب أكثر من كروز دخان واحد والتي تمثل مصدر رزق بالنسبة للكثيرون ولكن هل أعطت البديل لهم وهل ستوفر لهم مصدر رزق آخر ليعتاشو منه وليعيلوا أسرهم منه !
الى اين نحن سائرون فعلاً ؟
ونسال الله تعالى السلامة لوطننا الحبيب


.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. ‏‎الناس جاعت من كثرة الضرائب والدينار لم يعد له قيمه شرائه والرواتب من عشرات السنين كما هو ويأكل من كثرت الضرائب المفروض كل شئ ارتفع سعره أضعاف مضاعف والراتب على حاله لذلك لا استغرب مايحصل ويحصل مستقبلا .ملاحظة لواء الرمثا وليس المفرق.

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى