.فتلة"راس"

[review]

النص الأصلي

مقال يوم الاحد 4-12-2011

في مثل هذا الوقت .. كان التجمّد يتمدّد على كل مسطح مائي خارج بيتنا الغربي .. وأقصد بالمسطّح المائي؛ حوض الميرمية ، ماسورة المصرف، جرن الدجاج، ماء "الوضوء" وغيرها .. حتى نقاط الماء المترشحة من "الخابية" الخارجية كانت تتجمّد هي الأخرى في آخر الليل ليتكون منها نتوءات صغيرة أشبه بالنوازل الجليدية..

مقالات ذات صلة

 

في الليالي الباردة.. كتبنا مبعثرة حولنا ، وتلفزيون "توشيبا" مثل أجهزة الرادارات الجوية "شاشته مخططه وصوره بتقلب لحالها" طوال وقت المشاهدة.. باختصار لا فائدة منه سوى "الونس" الذي يبثه في نفوس أفراد العائلة على انه "شغال"..أما صوبة "الفوجيكا" فهي خط الانتاج الوحيد في الغرفة،  فعليها يتم "قلي البيض" و"غلي الشاي" وتسخين الخبز ،و"تفتير"الماء "للمشوط" او الوضوء ، وأخيراً سلق الفاصوليا لليوم التالي.. وبما انها خط الانتاج الوحيد ، ومصدر الطاقة الأرخص والأكثر توفراً والأقل صيانة  ..فقد كانت تتعرض أحياناً لنكسات أثناء الاستخدام، فتصبح نارها نصف متوهجة ونصف مطفأة تماما كما التفاحة العفنة..ويبدأ الوهج بالتلاشي شيئاً فشيئاً ..فيسأل أحدنا "خلص كازها" !! تقول أمي وهي تحاول تحريكها يميناً ويساراً لتعيد توزيع النار "بيجوز الفتلة!!" .. وأحياناً أخرى كانت تضطر لرفع المفتاح قليلاً  علها تعرف العلة..فيتصاعد اللهب الأصفر ثم يتبعه دخان أسود.."فيمطر أول اكسيد الكربون دمع عيوننا" ويؤم الصداع الغرفة..بعدها يصدر أبي فرماناً بإطفاء "الماخوذة" خوفاً من ان يختنق الأولاد ، ثم يلحقه بفرمان آخر ؛ النوم باكراً "فالصباح رباح"..

في ضحى اليوم التالي وعلى درج البيت تقوم أمي بكل بساطة بفك الصوبة قطعة قطعة بعناية وحفظ.. تخرج الفتلة من حوض الكاز..تقوم بقصقصة الرؤوس القاسية والزائدة والمحترقة لتساويها بباقي خيطان الفتلة ثم تعيد تركيبها من جديد…بعيد المغرب، نعيد تشغيل الصوبة.."الرأس" كما لو أنه صنع من جديد ، حيث يبدو متوهجاً طازجاً لامعاً مثل حبة البرتقال الشهية..

**

موضوع الاصلاح ببلدنا لا يحتاج الى "فتلة" راس، بل تزبيط "راس الفتلة"..بمعنى آخر ، كل ما هو مطلوب هو قصقصة الرؤوس القاسية والفاسدة والزائدة والمحترقة لنساويها بباقي الناس..ليعود وطننا متوهجاً طازجاً لامعاً مثل حبة البرتقال..

 

..أرجوكم قصقصوهم قبل أن "يخلص كازنا".. او نختنق "بأول اكسيد الوجع"!

 

 

 

احمد حسن الزعبي

ahmedalzoubi@hotmail.com

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى