رسالة الى غالب / كامل عباسي

رسالة الى غالب
ابن الصف السابع الذي كتب رسالة للملقي
ابكيتني وانا الذي لم يبكِ في احلك الظروف
ابكيتني يا غالب فقد غلبت الأيام وطنك ووالديك ومدرستك التي تحب
ابكيتني يا رجل وانت تشكو لغير الله لكن برائتك غلبتك يا غالب فأنت لا تعرف ان الحكومة ستحرق الرسالة قبل ان تصل الديوان وإن وصلت فلن تجد الا بطانة فاسدة هي التي اغتالت فرحك وفرحنا واحلامنا واحلامك
غلبتك الدنيا يا صغيري وانت في اول الصِبا تقاوم وزارة التربية .
تقبّل نصيحتي وارمِ حقيبتك المدرسية على الرصيف وانثر اقلامك على جبال عمان كي يُقال ان غالب غلبته الدنيا واتجه الى اقرب كراج سيارات واصبغ وجهك بالزيت وتعلم ان تكون سيدا في وطن تتحكم به عصابات من الزعران
ولا تنسَ ان تُقبل يدي والديك لتريحهم من عناء التفكير بمستقبلك ولا تتأمل ان يتحسن الوضع الدراسي في الوطن بعد رسالتك التي اوجعت قلوبنا ..
لمن لم يقرأ رسالة غالب من قبل … هذه هي
رسالة من طالب في الصف السابع إلى رئيس الوزراء

إسمي غالب ,
وأنا في الصف السابع ..أكتب هذه الرسالة بعد أن أمضيت شهرا كاملا في مدارس الحكومة , لقد درست من الكي جي وحتى السابع في مدرسة خاصة , وكنت مجتهدا ونجيبا ..ولكن أبي قبل شهر قرر نقلي لمدرسة حكومية قريبة من منزلنا …

كل شيء تغير علي , فأستاذ الجغرافيا يصفع الطلبة المشاغبين , وأنا خائف من تعرضي للصفع , والحمامات للان لا أستطيع دخولها , لأنها ببساطة قذرة …وأستاذ الرياضيات قال لي :- يا حيوان …وأجبرني أن أخلع إسوارة أرتديها تحمل شعار فريقي الذي أحبه وهو برشلونه , وأنا بكيت حين طلب مني ذلك ..والطلبة تعاملوا مع المشهد بالسخرية وأحدهم قال لي :- (إنت طنط) …والرحلاية التي أجلس فيها يشترك معي طالبين , أحدهم ممتليء ..وأمضي كل اليوم جالس على طرفها ..أحاول أن أركز في الحصة , ولكني خوفي من الصفع يمنعني , حتى الكلمات التي يطلقها الأساتذه تربكني يقولون للطلاب :- (يا حيوان ) …

أنا أعرف أني أبي يمر بضائقة مالية , أسمع همسه كل يوم مع أمي , وهو يقول لها أن الراتب لم يعد يكفي …وقبل نقلي إلى مدارس الحكومة , سمعت بكاء أمي كان يقول لها :- (أشحد من وين أجيب مصاري) …وأعرف حين سألته عن سيارتنا (الجيب) أنه قام ببيعها , وليست في التصليح فقد سمعته يقول لها :- (صرفنا حق السيارة كله …ما عدت الحق) …

مقالات ذات صلة

أحن إلى مدرستي الخاصة , كان أصدقائي كلهم فيها ..جمال وعلي وحموده أفتقدهم جميعا , لم يعد أحد منهم يتصل بي ..اشتاق للباص الذي كان يأخذنا في الصباح ..وللأسف أنا الان أذهب سيرا تحت المطر وأعود سيرا على الأقدام …وأفتقد معلمة الإنجليزي (مس غاده) كانت دائما تداعبني وتقول لي :- (غالب الحلو) …وأفتقد الدفء في صفي , كنت أرتدي القميص فقط ..ولكن في مدارس الحكومة يغتالني البرد ألف مرة …

أبي يظنني طفلا , ولكني اعرف كل شيء , أعرف عن فواتير الكهرباء ..وأعرف أن البنك لم يعد يسامحه في تأخر الأقساط , حتى أنه قال لي أن حذاء برشلونه والذي طلبت منه أن يشتريه لي غير موجود في المول وأنه أوصى على واحد لي من دبي , ولكني سمعته يقول لأمي في الليل أن ثمنه (60) دينارا ..

لم أعد أركز في الحصة , أحاول أن أفهم ولكني لا أفهم شيئا , وحين يسألني الأستاذ أشعر بالضياع , والطلبة صاروا ينادونني (طنط) وأدري أنها كلمة نابية …وأحدهم قال لي أمس :- (إنت واحد مطسة) …

صدقوني أني كل صباح أرتدي الزي ودمعي يسري على الجفون , وأهرب من أمي حتى لا تشعر ببكائي , ولكني في داخلي أدرك أن أبي يمر بظرف صعب .. وكل ليلة ..أسمع همسه مع أمي , وأسمع صوته كيف يرتفع بالشكوى وكيف تقوم أمي بتهدئته والقول له :- (بلاش غالب يسمع ) ..

أنا ضحية جملة يرددها أبي :- ( وضع البلد مو زي أول) …وأعرف أنه يمضي الليل على جهاز الكمبيوتر مرسلا أوراقه إلى شركات في الخليج , وأغلب الردود سلبية …

وأشعر به حين يأخذ أمي جانبا , ويخبرها بأن فاتورة الكهرباء إرتفعت …

لم أعد أحب مدرستي بصراحة , وأتمنى أن يأتيني يوم ولا أعود إليها …صرت أحيانا حين أرى باصات المدارس الصفراء , وأنا أمشي عائدا إلى المنزل أشعر بغصة تحرق قلبي ..ولكن ظرف أبي يحرق قلبي أكثر , لقد باع السيارة ..وأمي باعت بعض القطع من ذهبها ….وهو الان يحاول أن يأخذ قرضا ولكن البنك يرفض أن يعطيه , أبي وأمي يظنون أني أنام مبكرا ..وأنا لا أنام صوت همسهم يصلني , منذ عامين وأنا لا أسمع سوى شكوى أبي وكلمة واحدة يرددها :- (من وين أجيب أشحد) ….

لم أعرف لمن أكتب رسالتي هذه , فقررت أن أكتبها للرئيس …هل يا ترى أولاد المسئولين , والوزراء والرؤساء ..يدرسون مثلي أنا غالب في مدارس الحكومة ..؟

لم تعد لي رغبة في الكتاب , ولا حتى في الإفاقة باكرا …لماذا باسم الوضع الإقتصادي وسياسات الحكومة …تذبح أحلامي ويذبح فرحي أنا غالب الوحيد لأبي وابن الصف السابع ….شكرا للذين إغتالوا فرحي…

التوقيع :- غالب

الصف :- السابع

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رداً

زر الذهاب إلى الأعلى